287

Kashif Amin

الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين

وأما النصارى: فأثبتوا ثلاثة كما حكى الله عنهم ذلك بقوله: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة } [المائدة:73]، قال أهل المقالات في تفصيل قولهم بالتثليث: إنهم اتفقوا على أن الله جوهر واحد وهو ثلاثة أقانيم، أقنوم الأب: وهو الذات المقدسة وقيل الوجود، وهو متقارب، لأن الوجود عندهم هو الذات كما يقوله أصحابنا الذين ينفون كون الوجود صفة زائدة على ذات الموجود، وقد مر أنه الصحيح من تلك المسألة، وأقنوم الابن: وهو الكلمة وقيل: العلم، وأقنوم روح القدس: وهو الحياة، واتفقوا على أنه لم يزل الأب أبا والابن ابنا وروح القدس فائضة بينهما لم تزل كذلك.

قلت: هذا حكاه أهل المقالات في كيفية تفصيل التثليث، ويعلم منه أنهم يقولون بقدم الكلمة أو العلم وقدم الحياة حيث قالوا: لم يزل الابن ابنا الخ، ومنه يعلم صحة ما قاله الإمام يحيى بن حمزة عليه السلام وغيره من الأصحاب الذي مر في مسألة نفي المعاني القديمة التي أثبتها الأشعرية وغيرهم من فرق المجبرة أنهم يعنون بتلك المعاني ما عنته النصارى بتلك الأقانيم، ولعل أن معنى الأقنوم: الأصل الثابت وجوده في الأزل، ولكن ظاهر الآي القرآنية فيما حكاه الله عنهم أن التثليث الذي قالت به النصارى هو باعتبار ذات الباري تعالى وعيسى بن مريم عليهما السلام حيث يقول سبحانه: {وقالت النصارى المسيح ابن الله } [التوبة:30]، وقال { لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم } [المائدة:17]، وقال {وإذ قال الله ياعيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} [المائدة:116]، وحينئذ فلا يتحقق اتحاد القول بين النصارى والمجبرة.

Bogga 317