272

Kashif Amin

الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين

قلت: يفهم من هذا الكلام جميعه أن السؤال على كلام الأمير عليه السلام لم يكن إلا مرة واحدة وأنها قصة واحدة، وعلى كلام الإمام الناصر أبي الفتح الديلمي في تفسيره المعروف بالبرهان في تفسير القرآن وصرح به المقبلي في الإتحاف أنها قصتان، فأما تكرر السؤال ووقوعه فيهما معا فلا مأخذ فيما حكاه عنهما له فلتتأمل المسألة لتكمل الإفادة ويتضح الحق بطلب الإجادة، والأظهر والله أعلم أنه لا يمتنع تكرر السؤال منهم فقط لا منه عليه السلام كما ذكره أحمد في حاشيته على الكشاف من أن التكرر كان بوقوعه من موسى عليه السلام أولا لنفسه ثم بسؤال قومه ثانيا، ولا كما يفهمه كلام الأمير المؤلف عليه السلام عنهم أنه عند القصة الأولى حين ذهب للمناجاة وعند الصاعقة حين ذهب لأخذ الألواح، بل التكرر باعتبار طلبهم له عليه السلام أن يريهم الله جهرة وقولهم: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فلما لم يرعووا عن غيهم أراد أن يسمعهم الدليل السمعي فقال: ربي أرني، على نحو ما سبق أنه عن قومه، بل هذا هو الظاهر أعني أن السؤال متكرر باعتبار وقوعه منهم لا منه، فأما ذهاب موسى لميقات ربه فليس في القرآن ما يدل على أن ذلك مرتين ولا ما يدل على أنه مرة فقط، بل من تأمل آياته وتدبر مدلولاته علم أن الأمر محتمل، ومحتمل لأنه قال تعالى في سورة البقرة: { وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون } [البقرة:51]، ثم ساق الآيات في العفو عنهم وإيتاء موسى الكتاب والأمر بقتلهم عن اتخاذهم العجل حتى قال: { وإذ قلتم ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون o ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون } [البقرة:55،56]،وهذا كما ترى يحتمل أنه ذهب إلى الجبل غير المرة الأولى المذكورة{ وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة{، إذ لم يذكر فيها ذهاب قومه معه، ولم يذكر فيها أخذ صاعقة ولا وقوع رجفة، فيكون قولهم: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة في المرة الثانية، لذلك أفردت لها آية أخرى وخطاب متجدد وذكر فيها أخذ الصاعقة لهم وتوسطت بينهما الآيات المذكورة في شأن العجل وإيتاء الكتاب والأمر بقتل أنفسهم، ويحتمل أنها قصة واحدة وإنما ذهب إلا مرة واحدة وقومه معه والسؤال وأخذ الصاعقة إياهم كان فيها، إذ لا يمتنع أن ما ذكر في الآية الأولى وما ذكر في الآية الأخرى إخبار عن قصة واحدة وإن توسطت بينهما الآيات في شأن العجل وإيتاء الكتاب، فذلك لا ينافي اتحاد القصة وإنما حسن توسيط الآيات في شأن العجل وإيتاء الكتاب لأن الذين اتخذوا العجل هم أصحاب السامري وكان ذاك عند أن كان موسى ومن معه من السبعين الرجل المختارين في الجبل والسامري وأصحابه ممن استخلف موسى هارون عليهم وإيتاء موسى الكتاب كان عند أن كان موسى ومن معه في الجبل، فلما كانت الأربعون الليلة ظرفا للمجموع كان لا مانع من توسيط ما ذكر بين الآيتين المسوقتين لقصة واحدة، وكذلك قوله تعالى في سورة الأعراف فإنه قال تعالى: { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين o ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين o قال ياموسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين o وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء{ الخ الآيات {الأعراف: 142-145]، المذكورة في شأن الكتاب.

وهذا أيضا كما ترى لم يذكر فيها أن قومه كانوا معه ولأن الصاعقة كانت فيها، ثم ذكر قصة العجل بقوله: { واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا } [الأعراف:148]، أو المراد بعض قوم موسى وهم أصحاب السامري إذ المعلوم أنه لم يتخذه إلا السامري ومن تبعه، ثم ساق عدة آيات في شأن العجل ونحوه إلى قوله: { واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا } [الأعراف:155]، وهذا كما ترى يحتمل نحو ما ذكرنا في آيات سورة البقرة أنهما قصتان الأولى ذهب فيها موسى وحده وفيها وقعت مناجاته لربه وسأل الرؤية لكنه لا يستقيم أن السؤال لقومه لأنهم على هذا لم يكونوا معه، وهو محمول على أحد تأويلي الزمخشري والمتوكل على الله وهو تفسير القاسم والهادي والحسين بن القاسم وغيرهم عليهم السلام فقالوا: لم يسأل موسى الرؤية نفسها بل سأله تعالى أن يريه آية من عظيم قدرته تعالى ينظر بها إليه أي يعلمه تعالى بها علما ضروريا كما قال إبراهيم عليه السلام { رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} [البقرة:260]، فقال تعالى: {لن تراني{ أي لن تقدر على أن ترى آية من عظيم آياتي الباهرة، ولكن انظر إلى الجبل الذي هو أعظم منك كيف يكون حاله فإن استقر مكانه بعد أن أفعل به ما تراه فسوف تراني- أي فستعلم - الآية العظيمة، فلما ارتج الجبل وادك لم يملك موسى نفسه أن خر مغشيا عليه { فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك { الآية.

Bogga 302