212

Kashif Amin

الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين

الوجه الثالث: ما أشار إليه الشيخ العلامة الشهيد مفحم الخصم المناوي محمد بن صالح السماوي رحمه الله تعالى في جوابه على أهل مكة، وهو أنه لما كان أس الشريعة بعد التوحيد أن يأتمر الكل بأمر الله وأن ينتهوا بنهيه، وجب في الحكمة الإلهية أن يوصف لهم الواجب تعالى بما يوجب ذلك أي الائتمار والامتثال، فوصف لهم بأنه الملك الكبير المتعالي لكون من هذا شأنه حقيقا بأن يطاع أمره ولا يعصى، وإن لم يكن ملكه كملك الخلق الذي هو قسر بعض الناس على الطاعة رغبة ورهبة، ولا الكبر ضخامة الجسم وسعة امتداده، ولا التعالي رفعه بعد المكان وطول المسافة إليه، ومن هذا القبيل لما أريد أن يثبت الله تعالى من التعالي ما هو أرفع غاياته خوطبوا تارة بأنه في السماء، وتارة بأنه فوقها، وتارة بأنه على العرش الذي هو أرفع منها للتقرير في أذهان العامة بأنه لا ملك بعد هذا ولا أرفع منه ولا طاعة بحق لأحد سواه، ثم قال في الكتاب: {ليس كمثله شيء}، فلو حواه مكان أو أشير إليه بأين هو ؟ لشارك الأجسام كلها في تمكنه في مكان، وتحيزه في حيز يشار إليه أين هو ؟ فكان مثل كل شيء، تعالى الله عن ذلك، فلم يصدق قوله تعالى: { ليس كمثله شيء} انتهى.

هذا وجه وجيه وهو مما يزيد الكلام بلاغة وجودة وتلقيا في فكر المخاطب ومآله إلى النوع المسمى في علم البديع بالتخييل والاستعارة التمثيلية، وقد اختاره الإمام يحيى بن حمزة عليه السلام والزمخشري على غيره من التأويلات التي يذكرها المتكلمون في آيات المتشابه المشعر ظاهرها التشبيه.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الناس اختلفوا في الآيات والأحاديث المتشابهة على ثلاثة أقوال:

الأول: للمجسمة حملها على ظاهرها مع اعتقاد التجسيم الحقيقي، وهذا زيغ شديد وضلال بعيد، وسيأتي حكم قائله في فصل الإكفار إنشاء الله تعالى.

Bogga 237