فافتر ثغرها عن ابتسامة كبيرة ونظرت إليه وقالت: «إننا لم نشعر بأي تعب، بل شعرنا على عكس ذلك بمنتهى الغبطة والسعادة لاطمئناننا على صحتك. ولولا خشية أن يثقل عليك وجودنا أثناء نومك، ما فارقناك قط. على أننا سنبقى قريبا منك في الغرفة المجاورة.»
ثم أشارت وردة إلى إميلي فنهضت وعاونتها على تنظيم سريره وتغطيته ثم همت به فقبلته وقالت: «تصبح على خير يا بني.» وخرجت تتبعها إميلي. وقبل أن تغلق هذه باب الغرفة خلفها، تريثت قليلا وهي تنظر إليه، فلما نظر إلى هذه الجهة وتلاقت نظراتهما ابتسمت له وأحنت رأسها مودعة، ثم أغلقت الباب بهدوء.
حب جديد
استيقظ سليم في صباح اليوم التالي، بعد نوم عميق مريح، وقد شعر بأنه استعاد صحته. وما كاد يفتح عينيه حتى وقعتا على إميلي وهي واقفة بجانب سريره، وهي بثياب البيت، وفي يدها المروحة التي تروح له بها. فلما تلاقت نظراتهما ابتسمت له وقالت: «صباح سعيد يا عزيزي. كيف حالك الآن؟»
فاحمر وجهه حياء، واستوى جالسا في السرير، ثم مد يده وأخذ المروحة من يدها قائلا: «سعد صباحك يا عزيزتي، إنني ما عشت لن أنسى لك ولوالدتك العزيزة هذا الجميل.» ثم أطرق وتشاغل بالترويح على وجهه بيده. فإذا بإميلي تمسك يده في ترفق وتلطف وتقول وعيناها تلمعان ببريق ساحر جذاب: «أترى يدي كانت ثقيلة عليك؟» ثم ضغطت يده بخفة ورشاقة وهي تبتسم، فتمشت الرعدة في مفاصله وتسارعت دقات قلبه، وعادت به ذاكرته إلى اليوم الأول لتبادله الحب مع سلمى، فوجم وخشي أن يكون قد نجا من شر ليقع في شر أعظم، فلم يسعه إلا جذب يده من يدها بلطف، وأطرق ساكتا والهواجس تتقاذفه.
فاشتد احمرار وجهها، وبدت فيه آثار الخجل والكدر معا، وتأخرت خطوة إلى الوراء وساقاها لا تقويان على حملها لفرط تأثرها. فأثر في نفسه ضعفها وأنف أن يسيء إليها وإن لم يقصد ذلك بعد أن أحسنت إليه وسهرت هي وأمها في رعايته وخدمته، وبالغتا في إكرامه والعطف عليه. فمد يده وأمسك يدها وضغطها مترفقا وقال بصوت مختنق: «إنني لن أنسى يدك ما دمت حيا.»
فنظرت إليه في عتاب وقالت هامسة: «ولماذا رفضتها إذن؟»
فقال: «أنا أرفض يدك؟ وهل مثل هذه اليد يقدر على رفضها أحد؟»
فتوردت وجنتاها، واغرورقت عيناها بالدموع وانكسرت أهدابها ثم رفعت عينها ورمقته بنظرة نفاذة مؤثرة وقالت: «أرجو ألا تندم على أنك طلبتها بعد أن رفضتها.» قالت هذا وركزت نظراتها في عينيه منتهزة الفرصة السانحة لإيقاعه في شباكها.
فقال متلعثما: «حاشا وكلا، ولكني أخشى ألا أكون أهلا لبلوغ هذه الغاية.» ثم فطن إلى أنه أوشك أن يقع في الحب مرة أخرى، وهو ما زال يعاني آثار الحب الأول. فأمسك عن الكلام متظاهرا بأنه يشعر بصداع خفيف، وفطنت هي بدورها إلى قصده، لكنها تجاهلت وسارعت إلى إحضار دواء مسكن أذابت قليلا منه في ملء نصف كوب من الماء، وقدمته له في أدب ودلال يشوبه الحياء، فشربه ثم شكرها بلسانه بعد أن شكرها بعينيه وبلمس يدها وهو يرد إليها الكوب بعد تناول الدواء.
Bog aan la aqoon