أبطال الرواية
في حديقة الأزبكية
شقاء المحبين
سليم وسلمى
خلوة مريبة
في منطقة الأهرام
رسول السوء
كتاب من سلمى
كشف السر
في الإسكندرية
Bog aan la aqoon
من سليم إلى سلمى
قلبان يحترقان
حب جديد
فصل الخطاب
فرحة لم تتم
على الباغي تدور الدوائر
اجتماع الشمل
أبطال الرواية
في حديقة الأزبكية
شقاء المحبين
Bog aan la aqoon
سليم وسلمى
خلوة مريبة
في منطقة الأهرام
رسول السوء
كتاب من سلمى
كشف السر
في الإسكندرية
من سليم إلى سلمى
قلبان يحترقان
حب جديد
Bog aan la aqoon
فصل الخطاب
فرحة لم تتم
على الباغي تدور الدوائر
اجتماع الشمل
جهاد المحبين
جهاد المحبين
تأليف جرجي زيدان
أبطال الرواية
سليم:
محام شاب بالقاهرة.
Bog aan la aqoon
حبيب:
موظف حكومي بالقاهرة ومقيم بحلوان.
سلمى:
خطيبة سليم.
أدما:
خطيبة حبيب.
شفيقة:
أخت حبيب.
سليمان:
والد سلمى.
Bog aan la aqoon
سعيد:
والد أدما.
فؤاد:
شقيق سليم ومقيم بالإسكندرية مع أمهما.
داود:
تاجر إسكندري بالقاهرة.
وردة:
أرملة غنية بالإسكندرية.
إميلي:
ابنة وردة.
Bog aan la aqoon
في حديقة الأزبكية
أقيم بحديقة الأزبكية بالقاهرة في 21 يونيو سنة 1887 احتفال كبير لمناسبة مرور خمسين عاما على تولي الملكة فكتوريا عرش إنجلترا، فزينت الحديقة بالأنوار، وتقاطر إليها الناس زرافات ووحدانا نساء ورجالا وأولادا من جميع الطوائف والملل، وكلهم فرحون بما أعد في تلك الليلة من دواعي البهجة ومعالم الزينة.
وكان الناس يخطرون جماعات في طرقات الحديقة وحول بركتها وعلى جوانب الساحة التي كانت الموسيقى تصدح فيها. فلم تكن ترى بينهم إلا وجوها باسمة وقدودا مائسة، هذا يخاطب صديقا له ويمازحه، وذاك يداعب ولده ويلاعبه، وتلك تنادي فتاتها لتسير بجانبها خوفا عليها من أن تتيه بين الجماهير. وآخرون جالسون إلى موائد صغيرة يسمعون عزف الموسيقى أو يتأملون جمال الطبيعة وتلألؤ الأنوار.
وكانت أبواب الحديقة غاصة بالداخلين والخارجين، والحجاب يمنعون الناس من الدخول بغير رقاع الدعوة، والشرطة يهولون على الرعاع لئلا يكدروا بمزاحمتهم وضوضائهم صفو الاحتفال.
فلما كانت الساعة التاسعة مساء، وصل إلى أبواب الحديقة شاب يرتدي الملابس الإفرنجية، جميل الصورة، ربع القامة رشيقها، ولكن وجهه كان مقطبا عبوسا تلوح عليه علائم الكآبة والارتباك، ويبدو مستغرقا في التفكير، فلما رأى ازدحام الناس هناك انتبه بغتة كأنه هب من رقاد، ثم مد يده إلى جيبه وأخرج رقعة الدعوة ودفعها إلى الحاجب فسمح له بالدخول.
وقف الشاب بعد أن قطع خطوات داخل الحديقة، وبدا حائرا لا يدري إلى أي جهة يسير، ثم استأنف سيره إلى ساحة الموسيقى. وكان لارتباكه وهواجسه كأنه سائر في خلاء قفر لا يستوقفه منظر، حتى وصل إلى المقهى القائم بجانب الساحة فعرج عليه وجلس على كرسي به، ثم أشعل سيجارته وأخذ يدخن والناس يخطرون أمامه ذهابا وإيابا بين رجال ونساء وأولاد في مختلف الأزياء، وتلوح عليهم أمارات السرور، لكنه لم يكن ينتبه لحركاتهم وضحكاتهم، وبقي في شاغل عنهم بما يفكر فيه، ويده تعبث بعصاه، وكلما انتهى من تدخين سيجارة أشعل أخرى حتى امتلأ الجو حوله بالدخان.
ولم ينتبه من غيبوبته هذه حتى جاء غلام القهوة يسأله عما يريد، ولم يكن في حاجة إلى شيء يشربه أو يأكله، ولكن العادة قضت عليه بطلب المشروب فجيء به إليه، ثم عاد إلى ما كان فيه من الاستغراق في التفكير.
وفيما هو في ذلك شعر بيد لمست كتفه، وسمع في الوقت نفسه صوت هاتف باسمه يحييه، فالتفت مبغوتا فإذا بصديق له ينظر إليه مبتسما وقد مد يده لمصافحته، فنهض للقائه وصافحه، وشعر لدى مشاهدته بأنه كان في ضيق وأتاه الفرج، فدعاه إلى الجلوس قائلا: «أهلا وسهلا بك يا عزيزي سليم!» فجلس سليم وهو يقول: «إني سعيد برؤيتك يا عزيزي حبيب، لكن ماذا جاء بك إلى هنا وعهدي بك أنك مقيم بحلوان؟»
فقال حبيب: «جئت لتفريج كربتي بمشاهدة هذا الاحتفال، لكنني لم أزدد إلا كربا، وقد أرسلك الله إلي في ساعة الحاجة إليك.» ثم تنهد وواصل حديثه قائلا: «نعم أنا في ارتباك عظيم يا سليم، على أني أحمد الله إذ بعث بك لتعزيتي، ولا غرو فإن الصديق الصادق من شارك صديقه في السراء والضراء.»
وأشعل سليم سيجارته، ونظر إلى حبيب نظرة تفيض بالمودة والإخلاص، ثم قال: «لا أراك الله ضيقا يا صديقي، إنك والله لأعز من الصديق وأقرب من الأخ وإذا لم يدفعني إلى غوثك دافع الحب فعشرة الصبا وحقوق التربية تتكفلان بذلك.»
Bog aan la aqoon
فقال حبيب وقد كادت ظلمة العبوسة تنقشع عن وجهه: «لقد قضت الظروف بأن ألتحق بخدمة الحكومة المصرية كما تعلم، وهي خدمة ما كان أسعدها لو لم يكن من أمرها ما هو جار الآن من استغناء الحكومة عن كثير من موظفيها، اقتصادا في النفقات. ولم يكن يخطر ببالي يوم انتظمت في سلك الوظيفة أن يكون هذا مصيرها، وقد قضيت خمس سنوات أعمل بهمة ونشاط حتى كانت الثورة العرابية فهاجرت من هذه الديار ومعي والدتي وشقيقتي، فتكبدنا مشاق الأسفار، وأنفقت ما كنت قد ادخرته من راتبي الشهري، وحينما عدت في أوائل السنة الماضية لم أكن أملك قرشا واحدا ولكني استطعت العودة إلى منصبي الحكومي، وبدأ حالنا يتحسن وكدنا ننسى تلك المشقات والأسفار، لولا أن داهمني القدر بما لم يكن في الحسبان.» قال ذلك وتأوه.
فتطاول سليم بعنقه إليه في اهتمام وسأله أن يكاشفه بحقيقة الأمر.
فقال حبيب: «علمت من ثقة أن الحكومة ما زالت معتزمة الاستغناء عن بعض الموظفين، وقد أخبرني أحد الأصدقاء بأن هذا الاستغناء سيشملني، ولا يخفى عليك أن بيتي مفتوح وجيبي خال للأسباب التي قدمتها.»
فقال سليم: «من الذي أنبأك بذلك؟»
قال: «أنبأني به صديقنا حسان.»
فهز حبيب رأسه مستهزئا وقال: «ومن أخبره بذلك؟ إن الأمر لعلى عكس هذا.»
قال: «لقد أكد لي أن الخبر صحيح لا ريب فيه.»
قال: «ثق بأنه خبر عار من الصحة بل هو عكس الواقع تماما.»
فأبرقت أسرة حبيب ونظر إلى سليم بعين المستطلع وقال: «وكيف ذلك؟ لعلك تمزح!»
قال: «كلا لست مازحا، وليس ما بلغك إلا محض اختلاق، وما أخبرك به صاحبنا إلا لغرض لنفسه أنت تعلمه، والحقيقة أنك ستنال مركزا أحسن مما أنت فيه و...»
Bog aan la aqoon
فقطع عليه الكلام قائلا: «أحق ما تقول، ومن أين علمت هذا؟»
قال: «نعم، إنك سترتقي إلى مركز أحسن في نظارة الداخلية، وقد علمت ذلك من ثقة، فكن مطمئنا، وإن غدا لناظره قريب، فلا تبتئس ولا تجزع.»
قال حبيب وقد انبسط وجهه: «حقق الله الآمال يا عزيزي، والله إنك لوجه السعد، ولولا مجيئك لكنت أصبت بمرض لفرط قلقي وهواجسي، وإني لأشكر لك صدق مودتك وأحمد الله على ما بشرتني به.»
فقال سليم: «إن الله هو الرزاق، وهو سبحانه واسع الفضل والرحمة. وهب أنك خرجت من خدمة الحكومة، فالأعمال الأخرى كثيرة وأبوابها مفتحة لمثلك.»
قال: «نعم، لله الحمد على كل حال، وهو لا ينسى أحدا من خلقه. وإنما أهمني أن من يترك خدمة الحكومة نادرا ما يوفق في غيرها، وليس هذا لقلة الأعمال الأخرى ولكن لتعوده الراحة وتقاعده عن اكتساب ما يؤهله لسواها، ولقد مرت بذاكرتي هذه الليلة سيرة حياتي الماضية فندمت ندما لا مزيد عليه لأني لم أعمل بمشورة أبي - رحمة الله عليه - وأتعاطى التجارة معه، ولو أني أطعته لكنت في غنى عن هذا الارتباك، ولكن ما قدر كان.» •••
مضى الصديقان يتجاذبان أطراف الحديث، وقد زايل حبيبا تردده وارتباكه وأخذ يمتع نظره بما حوله من المناظر. ثم قال لسليم: «ترى ما الذي جاء بك إلى هنا الليلة، تاركا مشاهدة خطيبتك المحبوبة؟ أم لعلك تسر بمشاهدة هذه الأنوار وتأنس بهذا الازدحام أكثر من سرورك وأنسك بمشاهدة عروسك المقبلة؟»
فعلا وجه سليم الاحمرار لتذكره خطيبته وما يقاسي من أجلها، ولكنه حاول إخفاء عواطفه وهواجسه فسكت برهة وحبيب يراقب حركاته كأنه يريد استطلاع مكنونات قلبه، لعلمه بما هناك من روابط المحبة بينه وبين خطيبته. ثم قال سليم محاولا إخفاء ما في ضميره: «لقد قضيت معها فترة قصيرة أول هذه الليلة، ثم رأيتها في حاجة إلى الرقاد فتركتها لتمضي إلى فراشها وجئت أقضي بقية السهرة في هذه الحديقة.»
فلم يقتنع حبيب بذلك، ولكنه أظهر الاقتناع به على أن يستطلع حقيقة الأمر بنفسه في الغد، ثم لاحظ على سليم أنه عاد إلى الصمت وقد علت أسرته الكآبة وبدا عليه الاضطراب، فقال له مبتسما: «أرى صديقي قد وقع فيما كنت فيه؟ فهل ترى ذلك خوف الفصل من الخدمة أيضا؟»
فعلا وجه سليم الاحمرار، وحاول التكلم لكنه تلجلج وعاد إلى الصمت، ولم يشأ حبيب أن يلح عليه في السؤال حتى لا يجرح عواطفه أو يحرجه. وكانت الموسيقى قد انتهت من العزف فوقف وقال لصديقه: «ألا توافقني على أن نتمشى في الحديقة قليلا لنتمتع بمناظرها؟»
فوقف سليم وهو يحاول عبثا إخفاء عواطفه، وحبيب يتجاهل أمره ويحدثه في أمور مختلفة تتعلق بالزينة وبهرجها واشتغال الناس بها؛ تسكينا لما لاحظه عليه من حدة القلق، وإن كان شديد الميل إلى معرفة قلقه وانقباضه.
Bog aan la aqoon
ومشيا صامتين بعض الوقت وكل منهما يفكر في أمر، إلى أن وصلا إلى باب الحديقة الشمالي، فنظر حبيب إلى ساعته فإذا الساعة قاربت العاشرة فقال لسليم: «هلم بنا نخرج إلى مكتب البريد لأني أنتظر بريدا من أوروبا هذه الليلة!» فوافقه وخرجا من الحديقة، ومشيا حتى وصلا إلى مكتب البريد، وسأل كل منهما الموظف المختص: «هل توجد لديه خطابات باسمي؟» ففحص الخطابات الموضوعة أمامه، وأخرج من بينها خطابين، ناول أحدهما لسليم والآخر لحبيب.
وتناول حبيب كتابه وقرأ عنوانه فإذا هو بخط كأنه يعرفه، ثم نظر إلى طابع البريد على الغلاف فإذا هو طابع مصري وعليه خاتم مكتب بريد القاهرة فعلم أنه صادر منها، ففض الخطاب وأخذ يتلوه لنفسه فإذا فيه:
يا سادتي هل يخطرن ببالكم
من ليس يخطر غيركم في باله؟
يا شقيق الروح ومالك الفؤاد
أكتب إليك هذه الكلمات بغير إمضاء، والقلب يخفق، واليد ترتعش، فإذا خفق قلبك وارتعشت يداك، فلعلك تدرك بعض ما لك في قلبي من المحبة التي كتمتها حتى طفحت، ولعلك إذا عرفت ذلك أن ترثي لي، وإلا فإنها شكوى أبثها لمن ملك قلبي مع بقاء أمري مكتوما في ضميري عنه وعن سواه إلى أن يقضي الله بما يشاء.
فبغت حبيب وأخذ يعيد تأمل الخطاب ويكرر قراءته متعجبا، ثم حانت منه التفاتة إلى سليم، فإذا هو يتلو الخطاب الذي تسلمه وقد امتقع لونه وأخذت الورقة تنتفض في يده، فطوى حبيب كتابه وخاطب سليما قائلا: «خيرا إن شاء الله يا سليم؟»
فقال: «ليس هناك سوى الخير يا عزيزي.» ثم طوى الكتاب ووضعه في جيبه، ومشى يريد الخروج من مكتب البريد، فمشى حبيب بجانبه وهو يفكر تارة في كتابه، وطورا فيما ظهر على صديقه من مظاهر الاضطراب، وأراد استطلاع حقيقة حاله فمنعه التأدب، لكنه قرر في نفسه استعمال الحيلة للوقوف على سر اضطراب سليم، وأخذ يجاذبه أطراف الحديث إلى أن قال له: «تبارك الخلاق العظيم، أليس من دلائل قدرة الله أنك لا تكاد تجد بين الناس اثنين يتفقان في الخلقة والأخلاق؟ وقد صدق من قال:
إنما نحن في اختلاف عقول
مثلما نحن في اختلاف وجوه!»
Bog aan la aqoon
ولما آنس منه إصغاء، واصل كلامه فقال: «إني إذا أغضبني أمر لا أستطيع إخفاء عواطفي قط، فإن كان إلى جانبي أحد عرف أنني في انقباض كما عاينت ذلك في هذه الليلة.»
فتنهد سليم وقال: «لعل ذلك ينطبق علي أيضا.» وكأنه أحس بقرب تغلب صديقه على لسانه فبادر بقطع الحديث وتعلل بميله إلى الرقاد قائلا: «إني أشعر بتعب وألم في الرأس، ولهذا أفضل الرجوع إلى البيت الآن، وإن كنت أود قضاء بقية السهرة برفقتك.»
فأدرك حبيب مراده ولكنه تجاهل وقال: «إن النوم أفضل شيء للراحة، وأنا أيضا أحس مثل هذا التعب لما كنت فيه من الشواغل في هذه الليلة، وأرجو أن أدرك القطار الذاهب إلى حلوان الآن.»
ثم مد يده مودعا، فتصافحا وسار كل في سبيله وفي نفسه أمر يحاول إخفاءه عن رفيقه.
شقاء المحبين
مشى حبيب قاصدا إلى محطة باب اللوق فلما توارى عن صديقه أخرج من جيبه الخطاب الذي تسلمه من مكتب البريد، وجعل يردد نظره فيه ويقرؤه تكرارا مستعينا بأنوار الشوارع على تأمل الخط النسائي الذي كتب به.
وما زال كذلك حتى وصل إلى المحطة فإذا بالقطار قد أقلع منها إلى حلوان منذ دقائق، وسأل عن القطار التالي إليها فعلم أنه يقوم في منتصف الليل، فساءه ذلك لما هو فيه من الهواجس والارتباك. ثم رأى أن يمضي فترة الانتظار في التنزه، فتوجه إلى الجزيرة ليقضي هناك ساعة ثم يعود ليستقل القطار. وكان يسير والخطاب في يده، وأفكاره تتجاذبها الهواجس، وراح يستعرض بذاكرته البيوت التي يختلف إليها والسيدات اللواتي عرفهن لعله يعرف كاتبة الخطاب، فلم ينتبه لنفسه إلا وهو على كوبري قصر النيل، فوقف هناك يتأمل منظر الماء الجاري، ويشنف سمعه بموسيقى خريره وارتطامه بأعمدة الكوبري. وراقته الأنوار المتلألئة على جانبيه كأنها كواكب ثابتة في ذلك الفضاء، فمضى يمشي الهوينى حتى وصل إلى الجزيرة ودخل شارعها المظلل بالأشجار فمشى فيه، ثم عرج إلى منعطف نحو الشاطئ فسمع قرقعة عربة مارة في الشارع، ثم رآها وقفت، فتربص ليرى ما يكون من أمرها، فإذا بشخص ينزل منها ويمشي في منعطف بالقرب من النخلة التي اختفى هو خلفها حتى بلغ النيل فوقف قليلا، ثم انحدر إلى أسفل الشاطئ وجلس على صخر هناك.
وتأمله حبيب فإذا به يشبه صديقه سليما، ثم تحقق أنه هو بعينه، فأشكل عليه أمره وعجب لمجيئه إلى هناك في ظلام الليل وقال في نفسه: «يحسن أن أمكث مختفيا لأرى ماذا جاء به إلى هنا.» ثم تذكر ما رآه فيه من ارتباك ذلك المساء فخاف أن يكون قد وقع في اليأس وأراد الانتحار غرقا في النيل، فمشى بضع خطوات بكل خفة حتى أصبح وراءه وجلس مختفيا وراء نخلة أخرى هناك ليرى ما يكون من أمره، وليسارع إلى إنقاذه إذا رآه يلقي بنفسه في النيل، وشكر الله على ما كان من تأخره عن اللحاق بالقطار إلى حلوان.
أما سليم فإنه جلس إلى الشاطئ مطرقا والماء جار أمامه والظلام مستول على تلك الجهة إلا ما يصل إليها من الأشعة البعيدة المنبعثة من أنوار الكوبري. وبعد قليل أخذ يتلفت يمنة ويسرة كأنه يحاذر أن يراه أحد، ثم تنفس الصعداء وقال متحرقا: «آه من حوادث الزمان، وآه من جهالتي وقلة تدبيري! آه يا سلمى يا حبيبتي ومنى فؤادي!»
ثم خنقته العبرات فأطلق لنفسه عنان البكاء حتى سمع حبيب صوت شهيقه فتفتت قلبه حزنا عليه وجاشت عواطفه حتى كاد يشاركه البكاء، لكنه أمسك ليرى ما يكون منه بعد ذلك فإذا به بعد البكاء والشهيق برهة عاد فقال: «أي سلمى حبيبتي! إني أحبك والله حبا لم أشعر بمثله لغيرك، ولم أكن أعلم أن الحب يملك القلب ويتسلط على العواطف إلى هذا الحد. آه ما أحلى الحب وما أمره!»
Bog aan la aqoon
وعاد إلى البكاء حينا، ثم قال محدثا نفسه: «آه يا سليم! هل خطر ببالك أنك تصبح ألعوبة بيد الحب وأنت أنت الذي لم تكن تعبأ بحوادث الزمان ولا بأي أمر من الأمور؟ آه يا إلهي! ماذا أعمل لأتخلص من هذا التردد؟ أأترك سلمى؟ كلا والله لا أتركها ولا أتخلى عنها؛ لأنها تحبني وقد علقت آمالها على وعدي لها بالزواج، وهي ملاكي وحبيبتي ومنتهى أملي. لا لا، لا أتخلى عنها لأني لا أدري ماذا يلم بها إذا علمت بترددي في محبتها. لا لا، يجب ألا أتردد، إنها كعبة آمالي. روحي فداك يا سلمى، لعلك الآن راقدة في فراشك وقد كحل عينيك الكرى، فنامي هنيئا ولا تزعجك الأحلام!»
وكان حبيب يسمع أقواله كلمة كلمة ويتمعن فيها لعله يستطلع من خلالها سببا لهذه التأوهات.
ثم سمعه يقول وقد أمسك نفسه عن البكاء ومسح عينيه بمنديله: «ماذا جرى لي؟ لماذا أنا خائف؟ إني خائف على سري أن يباح ولكن من يذيعه وليس هنا غير النيل شاهدا؟»
ثم سكت وأخرج ورقة من جيبه وتأملها في الظلام، ثم تنهد وعاد إلى البكاء وقال: «نعم، لا أتركك يا سلمى، ولكن ماذا أفعل بوالدتي التي زهدت في الدنيا كلها من أجلي، ربتني بدموعها وسهدها، فأدخلتني المدارس وعلمتني، وأنفقت كل شيء في سبيلي ولم تدعني أتحمل ضيما، وهي إنما فعلت ذلك آملة أن أكرس حياتي لخدمتها، وإنها أهل لأكثر من ذلك فكيف أخالف أمرها أو أعقها؟ لا لا، يجب أن أكون طوع إرادتها لأن أيامها في هذه الدنيا معدودة. يجب أن أفعل كل ما تأمرني به!»
وسكت ثم عاد فقال: «لا لا، إن والدتي تريد أن أتخلى عن سلمى حبيبتي، وأنا لا أستطيع أن أترك سلمى ولو تركتني روحي أو تركتني والدتي الحنون. إن سلمى وضعت كل آمالها في فكيف أخيب أملها وأتركها تموت حسرة وأسفا؟ سامحك الله يا والدتي! لماذا بالغت في نهيي عن الاقتران بها؟ ولماذا هددتني بأن تتركيني إذا لم أترك سلمى؟ أصحيح أنك لن تعديني ولدا لك إذا أصررت على زواجها؟ ويلاه ماذا أفعل؟ ليس لي إلا إنهاء حياتي فأتخلص من هذا التردد وألقي نفسي في هذا النيل.»
فلما سمع حبيب كلامه، تحفز للحاق به وإمساكه عن الانتحار غرقا، لكنه ما لبث أن سمعه يقول: «لا لا، إذا قتلت نفسي فإني أكون قد قتلت والدتي وحبيبتي أيضا، فهما ولا شك ستموتان حسرة بعدي.»
ثم رآه ينهض ويتحول عائدا إلى العربة، فتقهقر حبيب مختبئا خلف النخلة حتى لا يراه سليم فيكدره ذلك لحرصه على إخفاء ما به عن الناس كافة، وكانت العربة في انتظار سليم عند أول الشارع فركبها وأمر السائق فحول الأعنة وعاد به إلى المدينة.
وهنا رجع حبيب من حيث أتى، وهو يعجب لذلك الاتفاق الذي كشف له عن سر صديقه، وقد رثى لحاله وشعر بمقدار القلق الذي يعانيه، ولم يكن يعلم أن مشكلته معقدة إلى هذا الحد.
ونظر إلى الساعة فإذا بالليل كاد أن ينتصف، فهرول مسرعا إلى المحطة خوفا من أن يفوته القطار، فأدركه قبل إقلاعه بقليل.
وفي طريق القطار به إلى حلوان، عاد فأخرج الخطاب الذي تسلمه من مكتب البريد وأخذ يتأمله ويكرر تلاوته محاولا حل رموزه وكشف معمياته، لكن محاولاته لم تزده إلا ارتباكا، ولم يستطع أن يعرف صاحبة الخطاب لأنه كان يتردد على بيوت كثيرة في القاهرة ويشاهد فتيات كثيرات، ولم يكن يخطر له أمر الحب مطلقا؛ ولذلك لم يكن ينتبه لحركات إحداهن لخلو ذهنه من ذلك. على أنه مع هذا ظل يستعرض في ذاكرته من كان يزورهن كثيرا من أولئك الفتيات، وتذكر واحدة منهن كان يسر لمشاهدتها للطفها ورقة جانبها وتواضعها، وكانت من أكثر الفتيات رقة وتهذيبا، ولم يلحظ منها مطلقا أنها ممن يملن إلى المغازلة بل كان يراها بعكس ذلك لا تتكلم إلا بحساب، ولا تأتي ما يشتم منه رائحة الطيش، فاستبعد أن تكون صاحبة الخطاب.
Bog aan la aqoon
وقضى معظم الطريق في مثل هذه الهواجس حتى وصل القطار إلى محطة حلوان فطوى الخطاب ووضعه في جيبه ونزل قاصدا منزله فإذا بوالدته لا تزال في انتظاره وقد استبطأته، فلما قرع جرس البابا نادته باسمه فأجابها ففتحت الباب واستقبلته سائلة عن سبب تأخره، فلفق لها عذرا قبلته. ثم سأل عن أخته فقالت له إنها في الفراش منذ وقت قصير؛ لأن أسرة الخواجة سعيد جاءت لزيارتهم عند العصر، ولم تعد إلى القاهرة إلا في القطار الأخير الذي غادر حلوان منذ قليل.
فلما سمع اسم تلك الأسرة، خفق قلبه بشدة لم يعهدها قبل ذلك، وسأل والدته: «وكيف حال الخواجة سعيد وأسرته؟»
فقالت: «هم جميعا بخير، وقد تناولوا العشاء هنا وسألوا عنك كثيرا، وقبل أن يبرحونا بالقطار الأخير اتفقنا على أن نسير معا يوم الجمعة القادم إلى أهرام الجيزة للتنزه، على أن تذهب شقيقتك شفيقة معنا؛ لأن الآنسة أدما ابنة الخواجة سعيد طلبت ذلك، وأنت تعلم مقدار حبها لشفيقة وحب شفيقة لها.»
وما طرق أذنه اسم أدما، حتى اشتد خفقان قلبه، وحدثته نفسه بأنها هي لا سواها صاحبة الخطاب الذي تسلمه، وكان اسمها قد تردد في أذنه وهو في القطار، لكنه تجلد وتمالك عواطفه ريثما تنكشف له الحقيقة، وإن شعر منذ تلك الساعة بميل شديد إلى تلك الفتاة، وود لو تكون هي مرسلة الخطاب إليه. ثم ودع والدته وذهب كل منهما إلى فراشه. لكنه لم يستطع الرقاد لشدة هواجسه فبقي فيه حينا دون أن ينام، ثم نهض ومضى إلى خزانة كتبه فأخرج منها كتابا وعاد إلى فراشه ليتلهى بمطالعته. وشعرت به شقيقته وهو يمر بغرفتها فسألته عن سبب نهوضه من الفراش فقال: «جئت لآخذ رواية أطالع فيها ريثما أنام.»
قال ذلك ودخل إلى سريره والشمعة مضيئة على مائدة بجانبه، وأخذ يقرأ في الكتاب. لكن عواطفه كانت لا تسمح له بالمضي في القراءة، فكان يخرج الخطاب من جيبه بين آونة وأخرى ويعيد قراءته.
وقضى في ذلك معظم الليل حتى كاد يطلع الفجر، وإذا بوالدته داخلة غرفته وقد عجبت لسهره إلى تلك الساعة، فلما شعر بدخولها عليه أخفى الخطاب في الكتاب وأغلقه. ولما سألته عن سبب سهره زعم لها أنه مغتبط بمطالعة إحدى الروايات ولم يشأ أن ينام قبل أن يتمها، فصدقته ومضت لشأنها. أما هو فأخذ الكتاب ووضعه في الخزانة وأغلقها ثم عاد إلى فراشه وقد أنهكه السهر والتعب فنام إلى أن حانت ساعة خروجه إلى عمله، فنهض وتناول قليلا من الشاي، ثم مضى إلى عمله.
سليم وسلمى
عاد سليم في العربة من شاطئ النيل وعيناه مبتلتان بالدموع وقد أخذ منه القلق كل مأخذ، واشتدت به لوعة الغرام، وكان يظن أن أمره ما زال مجهولا من كل إنسان على أنه كان يشعر أن كتمانه حبه مضر بصحته وعقله، ويود من صميم قلبه أن يلقى صديقا يبث إليه شكواه تخفيفا للوعته.
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة
يواسيك أو يؤسيك أو يتوجع
Bog aan la aqoon
وكان يثق بصديقه حبيب كل الوثوق ولكن خشي مفاتحته بالأمر من تلقاء نفسه.
ولكن حبيبا كان من الرقة وحسن الذوق على جانب عظيم، فبقي رغم وقوفه على سر حب صديقه، لا يخاطبه بشيء في شأنه، ولا يسأله عنه؛ خوفا من أن يعد ذلك منه تطفلا أو فضولا.
وكان سليم مقيما بغرفة مفروشة في نزل بأحد شوارع القاهرة؛ لأنه كان وحيدا بها، ولم يأتها إلا منذ بضع سنين ليمارس مهنة المحاماة، ولما كان غير واثق بنجاحه فيها، آثر ألا يأتي بوالدته معه، وتركها مقيمة بمنزل أخيه المتزوج في مدينة الإسكندرية، على أن يأتي بها لتقيم معه متى استقر به المقام بالقاهرة.
واتفق له بعد مجيئه إلى القاهرة ببضعة أشهر، أن تعرف إلى سلمى خلال تردده إلى بيت أبيها، وهو من أبناء بلدته، فتعلق قلبه بها، واعتزم خطبتها لنفسه لما آنس فيها من الأدب والتهذيب والكمال. لكنه لم يخبر والدته بذلك أول الآمر، فلما أطلعها عليه بعد حين، فوجئ بعدم موافقتها على هذه الخطبة، وراجعها مرارا فلم تزدد إلا إباء. وأخيرا بعثت إليه بذلك الخطاب الذي تسلمه من مكتب البريد، مذكرة إياه بحقوقها عليه، مؤكدة أنها إن لم يعدل عن خطبة الفتاة فلن تعده ولدها، بل لن تبقى على قيد الحياة لأنها إن لم تمت حسرة وكمدا فستقتل نفسها لتستريح من شقائها بعقوقه ومخالفته إرادتها!
وكان رغم شدة تعلقه بسلمى، وإعجابه بخصالها، لا يريد أن يخالف والدته، فوقع في حيرة كادت تدفع به إلى وهدة اليأس والانتحار.
فلما عاد إلى غرفته أضاء الشمعة وبدل ثيابه، ثم جلس إلى مائدة بجانب سريره وأخرج كتاب والدته ليعيد قراءته، فلما نظر إليه عاد فطواه وأرجعه إلى جيبه خوفا من إثارة عواطفه، وأشعل سيجارة أخذ يدخنها وفكره مشغول بما هو فيه من الارتباك، وباضطراره إلى كتمان أمره عن خطيبته حتى لا تتكدر، وربما أدى بها الحزن إلى ما لا تحمد عقباه.
وما زال في هواجسه هذه حتى الصباح، فنهض إلى عمله كالعادة، وعند العصر ركب عربة مضى بها إلى دار سلمى ليمتع طرفه وسمعه برؤيتها وحديثها، وكان يرتاح لمجالستها وينسى وهو معها كل متاعبه ومشاغله.
وما كادت المركبة تقف به أمام البيت حتى سارعت سلمى إلى استقباله وقلبها يطفح سرورا ووجهها يشرق ابتساما، فلما دخل سلم على أهل البيت وقد أبرقت أسرته، ثم مد يده إلى سلمى مسلما وجلسا يتجاذبان أطراف الحديث وكل منهما لا يرفع نظره عن وجه الآخر، وأهل المنزل فرحون بائتلاف قلبي الخطيبين وبما جمعه الله فيهما من صفات الكمال.
وقالت سلمى له بعد قليل: «أرجو أن تكون قد سررت أمس بمشاهدة الزينة في حديقة الأزبكية!»
فقال: «الواقع أني سررت بها كثيرا، ولكن سروري لم يتم لأني كنت أود لو أنك كنت معي لنشاهد تلك المناظر البديعة معا.»
Bog aan la aqoon
فقالت: «إن ما يسرك يسرني، وقد كنت طول الوقت منشرحة الصدر لعلمي أن صدرك سينشرح ولا شك بتلك المناظر.»
قال: «بورك فيك يا عزيزتي، وإني لأحمد الله على أن رأيتكم جميعا في عافية. على أني كنت أود لو أن التقاليد لم تحل دون ذهابك معي فأزداد سرورا بمصاحبتك.»
قالت: «وماذا تعني بذلك؟»
قال: «أعني أن الناس لا يعلمون بما تم من أمر خطبتنا، فلو أنهم رأونا نتنزه معا لأدى ذلك إلى تقولهم علينا، مما لا أرضاه لك.»
فخجلت سلمى وأدركت أنه يشير إلى بقاء خطبتهما في طي الكتمان، ثم نظرت إليه نظرة كلها حب وحنان، وقد تضرجت وجنتاها خفرا وحياء وأطرقت ولم تتكلم.
فتبسم سليم، وقد ازداد إعجابا بجمال سلمى وكمالها، ثم وجه خطابه إلى والدتها قائلا: «أليس كذلك يا سيدتي؟»
فقالت: «إنك معدن اللطف والكمال يا ولدي، ولكن الناس أكثرهم لا يتورعون عن القال والقيل، ومن الحكمة ألا نتيح لهم الفرصة لذلك، وكل آت قريب.»
قال: «هذا هو اعتقادي أيضا، ولكنني أود أن نذهب للتنزه جميعا في مكان خارج المدينة بمعزل عن الرقباء وتكونين وحضرة العم معنا فنقضي يوما من الأيام الجميلة.»
قالت: «نحن لا نتأخر عن القيام بما فيه سرورك.»
قال: «إن سروري لا يتم إلا بسروركم جميعا.» ثم حول نظره إلى سلمى مستطلعا رأيها فقالت: «أنت تعلم ما يسرني، فاتفقوا فيما بينكم على الموعد الذي يعجبكم وأنا رهن مشيئتكم.»
Bog aan la aqoon
قال: «سنعين المكان والزمان في فرصة أخرى.»
ثم أخذوا في أحاديث مختلفة، وفيما هم في ذلك سمعوا رنين جرس الدار، ثم دخل حبيب فقاموا جميعا للترحيب به، فسلم عليهم وجلس يشاركهم الحديث، ولما سألوه عن والدته وشقيقته قال: «هما في خير وتهديانكم أزكى السلام، وكان في عزمهما الحضور إلى القاهرة اليوم، ثم آثرتا تأجيل ذلك إلى يوم الجمعة المقبل، لتقضيا معكم بعض الوقت، ثم تتوجهان إلى بيت الخواجة سعيد؛ لأننا تواعدنا مع أسرته على زيارة الأهرام معا، ويا حبذا لو شاركتمونا هذه الزيارة!»
فقال سليم: «الحق أنها زيارة ممتعة، ولئن وافق عمي والأسرة على ذلك لنكونن جميعا من السعداء.»
فاستحسن الجميع ذلك الرأي، وتم الاتفاق على الذهاب إلى الأهرام صباح يوم الجمعة القادم، ثم أخذوا في أحاديث أخرى. •••
كان حبيب وحده من بين الحاضرين يعلم أمر خطبة سلمى لصديقه سليم، وقد كان في قلق عليه منذ وقف على حقيقة حاله مصادفة على ضفة النيل؛ ولذلك سارع بعد خروجه من الديوان إلى زيارته في غرفته بالفندق ليرى ما تم له، فلما لم يجده هناك وعلم أنه ذهب إلى بيت خطيبته، لحق به إليه.
وكان يتوقع أن يرى على وجه صديقه شيئا من علامات الاضطراب، واعتزم أن يعزيه ويسعى في تخفيف كربه، ولكنه شاهده على غير ما كان يتوقع وكأنه لم يكن في شيء مما كان بالأمس، فعجب لتأثير المحبة في قلوب المحبين، وكيف أنها مع ما يخالطها من الأكدار تكون أكبر تعزية لهم! وهكذا خف قلقه على صديقه، ولكنه بقي معتزما مفاتحته في الأمر في فرصة أخرى لعله يستطيع مساعدته بشيء.
ولما حان وقت العشاء نهض حبيب مستأذنا في الانصراف لكي يلحق القطار الذاهب إلى حلوان بعد قليل، فودعوه بمثل ما استقبلوه به من الإعزاز وخرج من هناك إلى المحطة رأسا، مؤجلا المرور ببيت الخواجة سعيد إلى فرصة أخرى.
أما سليم فبقي في بيت خطيبته إلى حوالي الساعة الحادية عشرة، وكانت الساعات تمر مسرعة كالسحاب دون أن يشعر بها لفرط سروره بمجالسة خطيبته واستئناسه بحديثها وإعجابه بكمالها، فضلا عما كانت عليه من الجمال وخفة الروح. ثم ودعهم وخرج وقلبه يود البقاء، ولم ينس قبل خروجه أن يضغط يدها وهو يصافحها مودعا، فضغطت يده بدورها متمنية له السلامة في الذهاب والإياب.
ولم يكد سليم يخرج من البيت حتى عادت إليه هواجسه وأخذ يفكر فيما هو فيه من الارتباك، فانقبض وجهه وقلبه، وما كاد يصل إلى غرفته حتى وجد بطاقة زيارة متروكة له باسم داود سليمان، فأخذه العجب لأنه لا يعرف أحدا بهذا الاسم، ثم دق جرسا أمامه داعيا الخادم، فلما جاءه سأله عمن أتى بتلك البطاقة، فقال: «إن صاحبها أتى لمقابلتك، فلما لم يجدك تركها على أن يعود صباح الغد.»
وبعد أن صرف سليم الخادم، جلس يكتب إلى والدته خطابا يرد به على خطابها، ولكنه كان مشتت الفكر لا يدري ماذا يكتب، فكتب سطرين ثم مزق الورقة وعاد فكتب سطرين آخرين ولم يعرف كيف يعبر عن أفكاره لشدة ارتباكه فمزق هذه الورقة أيضا وأطرق مفكرا وقد أخذ منه الارتباك مأخذا عظيما. وبقي كذلك حينا غير قصير، ثم نهض دون أن يكتب شيئا فبدل ثيابه وتمدد في سريره محاولا النوم. لكنه بقي مسهدا يتقلب في فراشه إلى أن طلع الفجر فغادر الفراش وارتدى ثيابه، ثم أخذ يشغل نفسه ببعض أوراق القضايا التي وكل فيها.
Bog aan la aqoon
وفيما هو في ذلك طرق الخادم باب الغرفة ثم دخل وأنبأه بقدوم الزائر الذي ترك بطاقته بالأمس فأمره بالمجيء به.
ودخل عليه الزائر، فإذا هو كهل طويل القامة، أفطس الأنف، ضيق العينين، في فمه اعوجاج ملحوظ وأسنانه بارزة، فرد تحيته بمثلها ورحب به.
ولما استتب الجلوس بالزائر افتتح الحديث في الشأن الذي جاء من أجله فقال: «لقد جئت أمس لمقابلتكم فلم يسعدني الحظ بذلك إلا الآن.»
فقال سليم: «أهلا وسهلا، وإني ليسعدني أن أكون في خدمتك.»
قال: «أشكرك يا سيدي على هذا الفضل الكبير، ولكني أرجو أن تجيب لي قبل ذلك طلبا بسيطا.»
قال: «ما هو هذا الطلب؟» قال: «تقسم لتحفظن ما أقوله لك سرا مكتوما عن كل بشر.»
فتبسم سليم والتفت إليه قائلا: «إن في طلبك هذا إهانة لي وطعنا في كرامتي؛ إذ لا يخفى عليك أن المحامين مكلفون حفظ الأسرار التي يقفون عليها بحكم مهنتهم كما يحفظ الكهنة سر الاعتراف، فلا داعي لأن تكلفني مثل هذا القسم.»
فقال داود: «معاذ الله، إني لم أرد طعنا أو إهانة، وأنا أعلم طهارة ذمتك ولولا ذلك ما جئت إليك مستشيرا، ولكن الأمر الذي جئت فيه يتعلق بالأعراض؛ ولذلك طلبت إليك القسم زيادة في الحرص على هذه الأعراض.»
فقال سليم: «إن العادة لم تجر بمثل ذلك قبل الآن، ولكنني إكراما لخاطرك ولمن أشرت إليهم، أقسم لك بالذمة والشرف لأكتمن كل ما تقوله لي الآن.»
فشكره داود على ذلك وقرب كرسيه منه ثم أخذ يقص عليه قصته. •••
Bog aan la aqoon
قال داود: «إني من أصحاب الأملاك الزراعية في مديرية الغربية، ولكن إقامتي بالقاهرة في شارع شبرا قرب منزل الخواجة سليمان.»
فلما سمع سليم ذلك خفق قلبه لأن الخواجة سليمان هو والد حبيبته سلمى، فأصغى إلى داود بكل جوارحه، وواصل هذا كلامه فقال: «وكنت منذ أربع سنوات أتردد إلى بيت جاري المشار إليه ونتبادل الزيارات فيما بيننا كعادة الجيران في بلادنا، وكان له ابنة اسمها سلمى ...»
فاشتد خفقان قلب سليم، وازداد اشتياقا إلى استطلاع الحكاية فأنصت لسماع تتمة الحديث، ومضى داود فقال: «وقد آنست في تلك الفتاة لطفا وتهذيبا قل مثالهما كما رأيت منها ميلا إلي، وكنت أستأنس بها كثيرا حتى علقتها ومال قلبي إليها.»
وهنا كاد قلب سليم أن يقفز من بين ضلوعه، وشبت نار الغيرة فيه، لكنه أمسك عن إظهار عواطفه ليقف على نهاية القصة.
فقال داود: «فلما رأيتها تحبني وتظهر لي الميل الشديد تلميحا وتصريحا، ورأيت أباها يلاطفني ويكثر من دعوتي إلى زيارتهم، لاح لي أن أخطبها منه، وبقي هذا الأمر يتردد في فكري زمنا طويلا خوفا من أن يكون في الأمر دسيسة أو خديعة، ولكن الحب أعمى بصيرتي فصممت على خطبتها منه وفاتحته في الأمر، فرأيت منه ميلا شديدا إلي، وقال لي: «إن سلمى تكن لك أضعاف هذا الميل.» فازددت تعلقا بالفتاة وصرت أكثر من التردد إلى البيت، وكنت أحيانا أخلو إلى الفتاة ونظل الساعة والساعتين نتبادل عواطف الحب، ولم أكن أرى منها إلا حبا وهياما وطالما صرحت لي بأنها لم يعلق قلبها بسواي إلى غير ذلك من عبارات المحبة.»
فلم يتمالك سليم عند ذلك عن الانتفاض من شدة التأثر، وعلا وجهه الاحمرار وأحس كأن نارا تتقد في جسمه غيرة وحنقا، لكنه تجلد حتى يسمع بقية الحديث، مكتفيا بإظهار عنايته بتتبعه.
فقال داود: «ولا أكتمك أني وصلت في حب هذه الفتاة إلى درجة أن صورتها لم تكن تفارق ناظري ليلا ولا نهارا، وظننت نفسي قد بلغت نهاية السعادة بالحصول عليها. على أني لم أخطبها رسميا لأن أباها العجوز - سامحه الله - قال لي: «إن الخطبة لا بأس من تأخيرها.» ثم طلب مني بعض المال على سبيل القرض، لاحتياجه إليه في دعوى مقامة عليه، لا أعلم ما هي وربما كانت مثل الدعوى التي أرجو أن أستطيع رفعها ضده بمساعدتك، فنقدته مائة جنيه. ونظرا إلى ثقتي به لم أكلفه كتابة صك بها، وقد كنت أحسبه أشرف رجل على وجه هذه البسيطة كما كنت أحسب ابنته أطهر فتاة رأتها عيني. ولكني اضطررت بعد ذلك إلى العدول عن خطبة الفتاة لسبب أخجل أن أذكره.»
فاشتعل قلب سليم غيرة وحنقا، ولم يتمالك عن النهوض عن الكرسي بغتة لشدة الانفعال، لكنه عاد إلى عقله وخاف الفضيحة فتظاهر بأنه يبحث عن علبة سجايره ثم تناولها ودفع إلى داود سيجارة منها، وأشعل لنفسه أخرى وجلس لسماع الحديث وهو يجاهد نفسه لإخفاء عواطفه.
ولم تخف حالته على داود، لكنه تجاهل وواصل كلامه فقال: «نعم، إنني أخجل من ذكر سبب عدولي عن خطبة الفتاة، ولا سيما أن الأمر يمس العرض.»
فقال سليم: «لا داعي للخجل، وقد أقسمت لأكتمن السر.»
Bog aan la aqoon
فتردد قليلا، ثم قال: «ماذا أقول؟ يكفي أني دخلت يوما منزل الخواجة سليمان هذا دون أن أقرع الجرس، فلما دخلت غرفة الفتاة وجدتها جالسة بجانب شاب - كنت أعده صديقا للأسرة - في هيئة مريبة.»
وهنا يعجز القلم عن شرح حالة سليم عند سماعه ذلك الاتهام الموجه إلى حبيبته التي يعتقد فيها العفاف والطهر، فلم يستطع إمساك عبراته، وغادر الغرفة متظاهرا بأنه يريد حاجة خارجها، ثم عاد بعد أن مسح دموعه فجلس على كرسيه ساكتا مصغيا ولكن قلبه يتقد غيرة وحنقا.
وتجاهل داود ما لاحظه على سليم، وأخرج منديله فمسح به أنفه وشاربيه وعاد إلى إتمام حديثه فقال: «ولما رأيتها مع الشاب المشار إليه في تلك الخلوة المريبة، لم أتمالك عن الخروج حالا وقد اتقدت نار الغيرة في قلبي، ورجعت من حيث أتيت وبقيت مدة لا أزور ذلك البيت. على أني كنت أفكر دائما في أمر المائة جنيه التي اقترضها مني أبو الفتاة، وأخيرا لاح لي استشارة محام ماهر لرفع الدعوى على الرجل مطالبا إياه بأداء ذلك الدين. ثم رأيت أن أطالب الرجل أولا، فلما طالبته أخذ يماطلني ويعدني تارة بالدفع، ويسألني تارة عن سبب عدولي عن خطبة الفتاة فألفق له بعض الأعذار. وأخيرا كشفت له حقيقة ما وقفت عليه من أمر ابنته فقال لي: «إن ذلك الشاب صديق الأسرة كما تعلم، ولا شك في أنه هو الذي غرر بالفتاة مستغلا بساطتها، لكنه لم ينل منها شيئا.» ولما يئس من إقناعي، ورأى أني مصر على إرجاع مالي الذي أخذه، أنكر أنه اقترضه مني. فهل تظن أني إذا رفعت عليه دعوى أستطيع ربحها؟»
فقال سليم وقد أمسك عواطفه: «لا يخفى على فطنتك أن الدعاوى المالية لا تقوم إلا بالبينة، فهل عندك بينة أو شاهد يشهد بذلك؟»
فقال: «إني دفعت إليه المبلغ سرا دون أن يعلم أحد بذلك، ولكن الشاب الذي حدثتك الآن عن صلته بالفتاة، علم بالأمر خلال تردده إلى المنزل، على أني ما أظنه يقبل إثبات هذه الدعوى؛ لأنه كان السبب الأكبر بل هو السبب الوحيد لما حصل، وبناء عليه أقول إنه ليس لدي بينة أو شهود.»
فاشتغل بال سليم بذلك الشاب وأحب معرفة اسمه فقال: «هل تعرف ذلك الشاب الذي أشرت إليه؟»
قال: «هو شاب لا أراه في القاهرة الآن إلا يسيرا، واسمه حبيب.»
فاضطرب سليم عند سماعه اسم صديقه بعد أن سمع ما قيل عنه وعن سلمى، لكنه تجاهل وأجاب متظاهرا بأنه غير مكترث قائلا: «إني أعرف هذا الشاب معرفة بسيطة، وإذا لم تستطع الحصول على شهادته لا أظنك تستفيد شيئا من رفع دعواك.»
فقال داود: «أما شهادته فأنا واثق بأني إن خاطبته في شأنها فلن يقبل أداءها، وربما ادعى أنه لم يرني قط ولا عرف شيئا عني، وعلى هذا أرى الأولى بي أن أترك عوضي على الله، وأكتفي بأني تخلصت من الشرك الذي كان منصوبا لي، وأشكر الله أني عرفت حقيقة الفتاة قبل العقد عليها، ولو كان ذلك بعد الاقتران بها لكانت المصيبة أعظم. والآن لا حاجة بي إلى أن أذكرك بقسمك، لكي تكتم حديثنا هذا عن كل إنسان كما وعدت وتعتبر أني لم أقابلك الآن ولا خاطبتك في شيء.»
ثم نهض مودعا شاكرا لسليم حسن مشورته، وأراد أن ينقده أجر هذه المشورة فلم يقبل سليم، فخرج مكررا الشكر، وترك سليما على مثل الجمر.
Bog aan la aqoon
وما كاد ينصرف حتى أغلق سليم باب الغرفة وجلس يناجي نفسه وقد أخذ منه الغيظ كل مأخذ، فقال: «أهذه حقيقتك يا سلمى؟ أين عفافك وأنفتك؟ بل أين تهذيبك وأدبك؟ أفي يقظة أنا أم في حلم؟ لا لا، لا أصدق ذلك عنك. ولكن كيف أتهم الرجل بالافتراء، وما الذي يحمله على الكذب أو الإيقاع بيننا وهو لا يعرف عني شيئا، وإنما قاده الاتفاق إلي؟ وما أعجب هذا الاتفاق الذي كشف لي أمورا كنت عنها غافلا!»
ثم سكت حائرا لا يدري بم يفسر تلك الحكاية، وأخيرا نهض بغتة وقد اتقدت الغيرة في بدنه كالجمر وقال: «آه منك أيضا يا حبيب، آه من قلب الإنسان ما أفسده! أتحب سلمى وتحبك، ثم تظهران لي بمظهر الإخلاص؟ آه من هذا الزمان! الآن عرفت صدق مقال والدتي، وإنها والله لأصدق مني مقالا وأوسع اختبارا.» قال ذلك وأخرج كتاب والدته من جيبه وأخذ يقرؤه حتى وصل إلى قولها فيه:
لا تغتر يا ولدي بمظاهر البنات فإنهن أقدر البشر على المداهنة والنفاق، وقد يظهرن العفاف وهن بعيدات عنه، ويبدين الإخلاص وهن أروغ من الثعلب. وفضلا عن ذلك فإن الفتاة التي علقتها ليست ممن يليق بك الالتفات إليهن، وقد سمعنا عنها ممن عرفوها هنا أنها قد نصبت مثل هذه الشراك لسواك وأخفقت سعيا وخابت آمالها ويكفيني التلميح عن التصريح.
فلما قرأ هذه العبارة، أخذ يلعن الساعة التي عرف فيها ذلك البيت؛ لأنه لم يعد يعرف الراحة منذ عرفه . وحدثته نفسه بأن يتخلى عن سلمى قبل عقد الخطبة، ولكن نار الحب ثارت في قلبه كأنها تكذب ما بلغه فقال: «لا لا يا سلمى، أنت والله حبيبتي ومنتهى أملي، وقد وهبتك هذا القلب وملكتك نفسي حتى استوليت على كل عواطفي، ولم ألق منك منذ عرفتك إلا كل جميل، فلا أنثني عن حبك ولا أظن بك سوءا. ولكن ما هذه الحكاية التي سمعتها الآن؟ أهي محض اختلاق؟ كلا فقد علمت بها اتفاقا، ولو كان بيني وبين راويها علاقة أو معرفة لاتهمته بالافتراء والكذب وقلت إنه واش يريد فصم ما بيننا من علائق المحبة. أتحبين حبيبا كل هذه المحبة وتقولين إنك تحبينه من أجل صداقته لي؟ تبا لك وله! ولكن ... ولكن حبيبا صديقي وقد عرفته منذ نعومة أظفاره ولم أر فيه إلا إخلاصا وغيرة، ولكن ... ولكن النفس أمارة بالسوء وعين الحب عمياء، فلا بد لي من التجلد والصبر، ثم ملاحظتكما ومراقبة خطواتكما وحركاتكما، فإذا تحقق لدي ما سمعته الآن ... آه آه من الحب ما أمره وما أحلاه! لا لا، بل هو مر علقم وقد صدق من قال: «إن سوء الظن من حسن الفطن»، فلو أني لم أفتح قلبي لك وأضع ثقتي فيك ما عميت عن حقيقة حالك وحال ذلك الشاب الذي خدعني بصداقته سنين. ولكن مهلا سوف تريان وأرى، وكل آت قريب!»
ثم نهض وهو في أشد الانفعال، وخرج لا يلوي على شيء. وفيما هو في الطريق نظر إلى ساعته فإذا الساعة الحادية عشرة، ففطن لميعاد المرافعة في مجلس الاستئناف. وكان عليه أن يذهب للمرافعة في دعوى وكل فيها عن بعض الناس، ولكنه رأى أنه لا يستطيع ذلك وهو في مثل ذلك الانفعال، فسار وهو لا يدري إلى أين يذهب، فقاده الاتفاق إلى حديقة الأزبكية فدخلها وجلس على مقعد بإزاء البركة. وكانت الحديقة في ذلك الحين هادئة لخلوها من الناس، فأخذ يجول بأفكاره فيما سمعه في صباح ذلك اليوم وهو يكاد ألا يصدق أنه سمعه في اليقظة لغرابته وبعده من اعتقاده السابق .
ولبث في حيرة تتقاذفه الهواجس وتتلاعب به الظنون، وهو تارة ينقم على سلمى وسوء طويتها، وطورا يكذب ما سمعه عنها ويجلها عن مثل تلك الدناءة.
خلوة مريبة
عاد حبيب إلى حلوان وهو يفكر في الخطاب الذي تسلمه ويردد في ذاكرته سوابق زياراته بيت الخواجة سعيد وما كان يلحظه في أدما من الحركات والإشارات حتى كادت تنجلي له الحقيقة، وترجح لديه أنها هي التي بعثت إليه الخطاب، فاعتزم أن يستطلع ذلك ويتحققه يوم ذهابهم جميعا للتنزه في منطقة الأهرام.
وأمضى حبيب ليلته يفكر في ذلك، دون أن يزور الكرى عينيه. وكانت نفسه تحدثه بأن يتعجل استطلاع الأمر فيذهب في الغد إلى بيت الخواجة سليمان، في موعد لا يكون فيه سليم ولا أحد غير سلمى هناك - وكان لكثرة تردده إلى ذلك البيت، ولما بينه وبين الأسرة من علائق المودة الخالصة لا يستنكف أن يزوره في أية ساعة - وهناك يجاذب سلمى أطراف الحديث على انفراد، لعله يعلم منها شيئا عن أدما يحقق ظنه.
وفي صباح اليوم التالي بكر بالخروج إلى مقر عمله على عادته، وبقي هناك حتى الساعة الحادية عشرة، ثم توجه إلى منزل الخواجة سليمان، فلم يجد فيه غير سلمى ووالدتها، فرحبا به، واستغربا مجيئه في تلك الساعة، غير أن اللياقة لم تسمح لهما بإظهار ذلك الاستغراب، ثم جلسوا جميعا في قاعة الاستقبال وسلمى وأمها بثياب المنزل، دون أن تستنكفا ذلك، لما بين حبيب والأسرة من صداقة ترفع التكليف.
Bog aan la aqoon