فسكتت قليلا وهي تمعن النظر فيه، ثم قالت: «إن سيدتي قرينته هنا.»
وما أتمت جملتها حتى كانت قرينة فؤاد قد جاءت لترى من الطارق الذي أطالت الخادم الحديث معه، فلم تعرف سليما أول الأمر لشدة ضعفه وتغير هيئته. ثم عرفته فبادرت باستقباله مرحبة والدهشة تكاد تعقد لسانها، فدخل المنزل وساقاه لا تقويان على حمله وسألها: «أين والدتي؟ أليست هنا؟»
فدعته إلى الجلوس كي يستريح، وقالت له: «إنها سافرت إلى القاهرة لكي تراك، وهذا أنت قد جئت لكي تراها. أليس هذا من عجائب الاتفاق؟»
فأخذته الدهشة وقال: «سافرت إلى القاهرة لتراني؟ كيف ذلك؟ ومتى سافرت؟»
فقالت: «سافرت الليلة الماضية مع صديقك حبيب.»
قال وقد ازدادت دهشته: «أي حبيب؟ هذا غير ممكن! ما الذي يجيء بحبيب إلى الإسكندرية الآن؟»
فقالت: «لقد عدنا إلى المنزل مساء أمس أنا وفؤاد، فوجدناه هنا مع والدتك، وعلمنا منه أنك كنت مريضا وما زلت في طور النقاهة. وبعد أن تناولنا العشاء جميعا، اصطحب والدتك وعاد بها إلى القاهرة في قطار نصف الليل.»
فسكت سليم حائرا، ولم يستطع الاهتداء إلى سبب مجيء حبيب. وأخيرا دعته قرينة أخيه إلى النهوض لغسل رأسه وتبديل ثيابه. فنهض لذلك متثاقلا وهو لا يستطيع إخفاء ما به من الدهشة والشك. وما كاد ينتهي من ذلك حتى عاد شقيقه فؤاد من عمله لتناول الغداء في المنزل. فتعانقا طويلا، ثم جلسوا إلى المائدة جميعا، وهم يتبادلون الحديث حول ذلك الاتفاق العجيب، وسليم أشد دهشة لأنه لم يكن يتوقع أن تزوره والدته في القاهرة بعد أن أنذرته بمقاطعته إلى الأبد في خطابها الأخير؛ ولأنه لم يهتد إلى سبب مجيء حبيب إليها دون علمه واصطحابه إياها إلى القاهرة.
وبعد الغداء، طلب فؤاد إلى سليم أن يتمدد قليلا في الفراش للراحة من عناء السفر. فوافق على ذلك لكي يخلو إلى نفسه ويعاود التفكير في الأمر.
وقبيل المغرب، دخل فؤاد عليه غرفة النوم لإيقاظه، فإذا بالحمى قد عاودته فارتفعت درجة حرارته، وأخذته الرعشة، وتصبب عرقه غزيرا. فجلس بجانبه يسأله عما به ويهون عليه الأمر. ثم دعا زوجته وطلب إليها أن تكلف السيدة وردة باستدعاء طبيبها المعروف ببراعته لفحص سليم ومعالجته، فسارعت إلى إجابة هذا الطلب.
Bog aan la aqoon