فقال: «نعم يا أماه وهذا ما يقلقني عليه؛ إذ ليس عنده من يقوم بخدمته.»
قالت: «كيف تتركه وحده وهو غريب لا أهل له في القاهرة، ولو أن والدته علمت بمرضه لسارعت إليه كي تخدمه وتمرضه، ولكنها بعيدة عنه وا أسفاه!»
قال: «لا شك أنها لو علمت بمرضه لجاءت من الإسكندرية على عجل، ولكن لا داعي لإزعاجها بنبأ مرضه، وعلينا نحن قياما بواجب الصداقة أن ننظر في أمر خدمته وتمريضه حتى يتم شفاؤه بإذن الله.»
قالت: «صدقت يا بني، هذا واجب علينا، وأرى إذا عاودته الحمى غدا أن ندعوه ليقيم معنا بضعة أيام ريثما ينقه منها.»
قال: «غدا أذهب إليه لتدبير الأمر والاتكال على الله.»
قالت: «سأذهب معك ليطمئن قلبي عليه، فهو بمثابة ولدي. ولكن هل علمت أسرة الخواجة سليمان بمرضه؟»
قال: «لا، وكنت عازما على إبلاغهم ذلك، لكني وجدت سلمى مريضة أيضا فلم أخبرهم به خشية اشتداد مرضها؛ لأنها مخطوبة له كما تعلمين، وهي تحبه محبة عظيمة.»
قالت: «إذن نذهب إليه نحن غدا كما اتفقنا.» •••
كانت الخادمة العجوز سعيدة قد أدركت في الأيام القليلة التي عاشرت فيها سلمى أنها عزيزة النفس أبيتها، لا ترضى بالذل ولا تحب التزلف، وأيقنت أنها إذا اطلعت على ما كتبته والدة سليم إليه في شأنها فلا بد من أن تضحي بقلبها في سبيل الإبقاء على محبة أمه له ورضاها عنه.
وكانت قد عرفت مضمون الكتاب قبل مجيئها من الإسكندرية؛ لأن سيدتها وردة هي التي كانت تتولى أمر كتابة الخطابات إلى سليم على لسان والدته، بوساطة داود. وقد اجتمعت بهذا في القاهرة فأخبرها بما فعله مع سليم، واعتقدت أن الطريق قد مهد للتفريق بينه وبين سلمى. ثم انتهزت فرصة تنظيفها معطف سليم حين وجوده في المنزل عقب رحلة الأهرام، وسرقت منه خطاب والدته لكي تطلع سلمى عليه، ثم ذهبت بالخطاب إلى غرفة سلمى وألقته خفية بجانب سريرها. فلما أوت إليه سلمى بعد العشاء، لمحت الخطاب فتناولته وقرأته، وأدركت أنه سبب كدر سليم. وقضت ليلتها مسهدة تفكر في أمره ولا تدري ماذا تفعل، ثم غلبت عليها طيبة قلبها وعزة نفسها، فكتبت إلى سليم ذلك الخطاب الذي أحلته فيه من خطبتها، وبعثت به مع خادمتها سعيدة.
Bog aan la aqoon