ولم تكن أمه تعرف الكتابة، فكلفت وردة جارها داود أن يكتب ذلك الكتاب، فكتبه كما يشاء وبعث به إلى سليم.
ورد سليم على والدته بخطاب برهن فيه على صحة رأيه، وأخذ يمتدح سلمى وحسن خصالها، واستمرت المكاتبة بين سليم ووالدته حينا، وهو لا يزداد إلا ثباتا في الحب حتى كادت وردة أن تيأس من نيل مرامها، رغم ما دسته من الدسائس، ولفقته من الأقاصيص المختلفة.
فلما أعيتها الحيل خلت إلى شيطانها داود، واتفقت معه على أن يسعى لإفساد ما بين سليم وسلمى من العلاقات، على أن يكون له نصيب من «الدوطة».
فقال لها: «إني رهين إشارتك، وليس بيننا فرق فإن خدمتك واجبة علي.»
فقالت: «إن الأمر لا يخفى عليك، ولو لم أر في إميلي ميلا إليه ما أهمني أمره، ولا اضطررت إلى أن أحبه أنا أيضا مجاراة لها.»
ولاحظت في وجه داود انقباضا، لدى سماعه تصريحها بأنها تحب سليما، فتداركت الأمر، وتكلفت الضحك، ثم أمسكت يد داود وقالت له: «حذار أن تكون قد صدقت أني أحبه، فمهما يكن من الأمر، فإن حبي له لا يبلغ نقطة من بحر محبتي لك.»
فضحك داود فرحا، حتى غارت عيناه الصغيرتان وبرزت أسنانه السوداء، وكاد يستلقي على قفاه، ثم نظر إلى وردة وربت ظهرها قائلا: «بورك فيك يا عزيزتي، أنا أعلم ذلك جيدا، ولا شك عندي في صدق محبتك لي، وها أنا ذا إكراما لعينيك سأسعى جهدي في سبيل بلوغ الغاية التي تريدينها.»
فقالت له وهي تنظر إليه بعينيها نظرات الدلال: «هكذا تكون الشهامة والنخوة، وهكذا يكون المحبون، فامض إلى القاهرة ودبر الأمر بحكمتك وذكائك، وإني لفي انتظار ما يكون.»
فنهض داود واعدا بالتأهب للسفر فورا، فصافحته مودعة ووضعت في يده بضعة جنيهات قائلة: «هذه نفقات الطريق.» فقبض الجنيهات وخرج بها مسرورا.
ثم أغرت وردة والدة سليم صديقتها بكتابة خطاب إليه تخبره فيه بما يطابق الرسالة التي كلفت بها داود، فتأثرت والدته الطيبة القلب بإغرائها، وبعثت إليه بذلك الخطاب. •••
Bog aan la aqoon