185

Jawhar Shaffaf

الجوهر الشفاف الملتقط من مغاصات الكشاف

{وقال لهم نبيهم} لما سألوا أن يبعث لهم ملكا فسأل الله أن يبعثه له ففعل إجابتهم {إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا} عجميا كجالوت لا ينصرف وهو من ولد بنيامين بن يعقوب، وسمي طالوت لطوله.{قالوا أنى يكون له الملك علينا} هذا إنكار لملكه عليهم واستبعاد له والمعنى: كيف يتملك علينا والحال أنه لا يستحق التملك وكيف يكون ملكا {ونحن أحق بالملك منه} لوجود من هو أحق بالملك منه فينا{ولم يؤتى سعة من المال} لأنه فقير ولا بد للملك من مال يعتضد به، وإنما قالوا ذلك لأن النبوة كانت في سبط الآواه بن يعقوب والملك في سبط يهوذا ولم يكن طالوت من أحد السبطين ولأنه كان رجلا سقا أو دباغا فقيرا وروي أن نبيهم دعا الله حين طلبوا منه ملكا فأتى بعصا يقاس لها من تملك عليكم ولم يساويها إلا طالوت، {قال إن الله اصطفاه عليكم} يريد أن الله اختاره عليكم وهو أعلم بالمصالح منكم والاعتراض على حكم الله، ثم ذكر مصلحتين أنفع مما ذكروا من النسب والمال، وهم العلم البسوط، والجسامة فقال{وزاده بسطة في العلم والجسم} البسطة السعة والامتداد والظاهر أن المراد بالعلم المعرفة بما طلبوه لأجله من أمر الحرب، ويجوز أن يكون عالما بالدينات وغيرها، وذلك أن الملك لا بد أن يكون من أهل العلم فإن الجاهل مزدري غير ما انتفع به وأن يكون جسما يملأ العين جهارة لأنه أعظم في النفوس وأهيب في القلوب، روي أن الرجل القائم كان يمد يده فنال رأسه {والله يؤتي ملكه من يشاء} الملك له غير متنازع فيه فهو يؤتيه من يشاء ممن يستصلحه للملك وليس الملك بالوراثة {والله واسع عليم } الفضل والعطاء يوسع على من ليس له سعة من المال ويغنيه بعد الفقر عليهم من يصطفيه للملك.

وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لاية لكم إن كنتم مؤمنين(248)

{وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت} أي علامة ملكه مجئ التابوت إليكم ونزوله عليكم من السماء والتابوت صندوق التوراة، وكان موسى عليه السلام إذا قاتل قدمه، فكانت تسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرون {فيه سكينة من ربكم} هي السكون والطمأنينة وقيل: هي صورة كانت فيه زبرجد أو ياقوت لها رأس كرأس الهر وذنب كذنبه وجناحان تنين فيزف التابوت نحو العدو وهم يمضون معه فإذا استقر ثبتوا وسكنوا ونزل النصر.

وعن علي عليه السلام: كان لها وجه كوجه الإنسان وفيها ريح هفافة، {وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة} هي رضاض الألواح وعصى موسى من ثيابه، وشئ من التوراة وكان رفعه الله بعد موسى فنزلت به الملائكة تحمله وهم ينظرون إليه وقيل: كان مع موسى ومع أنبياء بني إسرائيل بعده يستفتحون به، فلما غيرت بنوا إسرائيل غلبهم عليه الكفار فكان في أرض جالوت فلما أراد الله أن يملك طالوت أصابتهم ببلاء حتى هلكت خمس مدائن، فقالوا هذا بسبب التابوت بين أظهرنا فوضعوه على ثورين فساقتهما الملائكة إلى طالوت، وقيل: كان من حسب الشمشار تموها بالذهب نحو من ثلاثة أذرع في ذراعين {إن في ذلك} يعني: في رجوع التابوت إليكم {لآية} أي علامة لكم {إن كنتم مؤمنين} أي: مصدقين بتمليكه عليكم.

Bogga 214