واختلف الناس في معنى قوله صلى الله عليه وسلم انزل القرآن على سبعة احرف فاقرءوا ما تيسر منه ثم قال ع بعد كلام والذي مال إليه كثير من أهل العلم كأبي عبيد وغيره أن معنى الحديث أنه أنزل على سبع لغات لسبع قبائل ثم اختلفوا في تعيينهم وانا الخص الغرض جهدي بحول الله فأصل ذلك وقاعدته قريش ثم بنو سعد بن بكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرشي واسترضع في بني سعد ونشأ فيهم ثم ترعرع وشب وهو يخالط في اللسان كنانة وهذيلا وثقيفا وخزاعة وأسد وضبة والفافها لقربهم من مكة وتكرارهم عليها ثم بعد هذه تميما وقيسا ومن انضاف إليهم وسط جزيرة العرب فلما بعثه الله تعالى ويسر عليه أمر الأحرف أنزل عليه القرآن بلغة هذه الجملة المذكورة وهي التي قسمها على سبعة لها السبعة الأحرف وهي اختلافها في العبارة قال ثابت بن قاسم لو قلنا من هذه الأحرف لقريش ومنها لكنانة ومنها لأسد ومنها لهذيل ومنها لتميم ومنها لضبة والفافها ومنها لقيس لكان قداتي على قبائل مضر فى مراتب سبعة تستوعب اللغات التي نزل بها القرآن وهذا نحو ما ذكرناه وهذه الجملة هي التي انتهت إليها الفصاحة وسلمت لغاتها من الدخل ويسرها الله لذلك ليظهر آية نهيه بعجزها عن معارضة ما أنزل عليه وسبب سلامتها أنها في وسط جزيرة العرب في الحجاز ونجد وتهامة فلم تطرقها الأمم فأما اليمن وهو جنوبي الجزيرة فأفسدت كلام عربه خلطة الحبشة والهنود على أن أبا عبيد القاسم بن سلام وأبا العباس المبرد قد ذكرا أن عرب اليمن من القبائل التي نزل القرآن بلغاتها قال ع وذلك عندي إنما هو فيما استعملته عرب الحجاز من لغة اليمن كالعرم والفتاح فأما ما انفردوا به كالزخيخ والقلوب فليس في كتاب الله منه شيء وأما ما وإلى العراق من جزيرة العرب وهي بلاد ربيعة وشرقي الجزيرة فأفسدت لغتها مخالطة الفرس والنبط ونصارى الحيرة وغير ذلك وأما الذي يلي الشام وهو شمالي الجزيرة وهي بلاد ءال جفنة وغيرهم فأفسدها مخالطة الروم وكثير من بني اسرائل وأما غربي الجزيرة فهي جبال تسكن بعضها هذيل وغيرهم وأكثرها غير معمور فبقيت القبائل المذكورة سليمة اللغات لم تكدر صفو كلامها أمة من العجم ويقوى هذا المنزع أنه لما أتسع نطاق الإسلام وداخلت الأمم العرب وتجرد أهل المصرين البصرة والكوفة لحفظ لسان العرب وكتب لغتها لم يأخذوا إلا من هذه القبائل الوسيطة المذكورة ومن كان معها وتجنبوا اليمن والعراق والشام فلم يكتب عنهم حرف واحد وكذلك تجنبوا حواضر الحجاز مكة والمدينة والطائف لأن السبي والتجار من الأمم كثروا فيها فأفسدوا اللغة وكانت هذه الحواضر في مدة النبي صلى الله عليه وسلم سليمة لقلة المخالطة فمعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم أنزل القرآن على سبعة أحرف أي فيه عبارات سبع قبائل بلغة جملتها نزل القرآن فيعبر عن المعنى فيه مرة بعبارة قريش ومرة بعبارة هذيل ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح والأوجز في اللفظة الا ترى أن فطر معناها عند غير قريش ابتداء خلق الشيء وعمله فجاءت في القرآن فلم تتجه لابن عباس حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها قال ابن عباس ففهمت حينئذ موقع قوله سبحانه فاطر السماوات والأرض وقال أيضا ما كنت أدري معنى قوله تعالى ربنا افتح بيننا وبين قومنا حتى سمعت بنت ذي جدن تقول لزوجها تعال افاتحك أي أحاكمك وكذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان لا يفهم معنى قوله تعالى أو يأخذهم على تخوف فوقف به فتى فقال ان أبي يتخوفني حقي فقال عمر الله اكبر أو يأخذهم على تخوف أي على تنقص لهم وكذلك اتفق لقطبة بن مالك إذ سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة والنحل باسقات ذكره مسلم في باب القراءة في صلاة الفجر إلى غير هذا من الأمثلة فأباح الله تعالى لنبيه عليه السلام هذه الحروف السبعة وعارضه بها جبريل في عرضاته على الوجه الذي فيه الإعجاز وجودة الرصف ولم تقع الإباحة في قوله فاقرءوا ما تيسر منه بأن يكون كل واحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات جعلها من تلقاء نفسه ولو كان هذا لذهب إعجاز القرآن وكان معرضا أن يبدل هذا وهذا حتى يكون غير الذي نزل من عند الله وإنما وقعت الإباحة في الحروف السبعة للنبي صلى الله عليه وسلم ليوسع بها على أمته فقرأ مرة لأبي بما عارضه به جبريل ومرة لابن مسعود بما عارضه به أيضا وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف
فصل في ذكر الألفاظ التي في القرآن مما للغات العجم بها تعلق
Bogga 16