141

Jawaahir Tafsiir

جواهر التفسير

Noocyada

وبنى الأستاذ على رأيه هذا تفسيره ما يأتي من نعوت المتقين، وكلامه ككلام غيره قابل للنقاش، وسوف تأتي إن شاء الله مناقشته في المكان المناسب من الآيات الناعتة للمتقين.

[2.3]

معنى الإيمان وأثره:

الإيمان هو أساس الهداية، ومصدر التقوى وينبوع الفضائل، وأصله التصديق نحو قوله عز وجل:

ومآ أنت بمؤمن لنا..

[يوسف: 17]، ومأخذه من الأمن، لأن المصدق آمن محدثه التكذيب، والإيمان بالغيب هو نقطة الافتراق بين أصحاب الفطر السليمة والنفوس الزكية والعقول الراسخة والأفكار الواعية، الذين يتصلون بما وراء هذا العالم المحسوس، ويدركون أنه محاط بقوة تقهره وإرادة تدبره، وأن الوجود لا ينحصر فيما تدرك الحواس، وأن الحياة ليست مقيدة بهذه الرحلة العابرة على ظهر الأرض، وبين الذين تكدرت فطرهم، وأظلمت نفوسهم، واضطربت عقولهم، وانغلقت أفكارهم، فلم يفهموا تفسيرا للوجود إلا ما وقعت عليه حواسهم المحدودة، ولا معنى للحياة إلا هذه الرحلة التي يقطعونها على ظهر الأرض، وهم الماديون المنحبسون في مضائق المادة؛ الذين سدوا على أنفسهم منافذ التفكير، وحالوا بين عقولهم ومسارح الاعتبار، فلا يتجاوزون حدود الحواس إلا في محيط الاكتشافات بالأجهزة التي هي في حقيقتها امتداد للحواس.

ويتضح بهذا الفارق بين الطائفتين، فالمؤمنون بالغيب ينطلقون بأرواحهم وعقولهم وقلوبهم في فسيح ملكوت الله الواسع، ويرون أن هدف الحياة أسمى من أن يكون من أجل شهوات الدنيا والتنافس على حطامها والتناحر على منافعها، بينما الذين يكذبون بالغيب لا يعرفون هدفا في الحياة إلا إرضاء العواطف المضطربة، وإشباع الغرائز المنهومة، ومن هنا يختلف سلوك الطائفتين، وتختلف موازين الأمور بينهما، فالمؤمنون بالغيب يلمحون في كل شيء المبدأ والمصير، فيحرصون على أن تكون أعمالهم كلها خالصة لمبدئهم تعالى، ومنطبقة على المقاييس التي أنزلها، ومؤمنة لمصيرهم في الدار الآخرة.

ومن ثم كان الإيمان بالغيب القاعدة الأساسية التي يقوم عليها العمل الاسلامي وينطلق منها المسلم في اتجاهه إلى ربه في جميع مجالات الحياة.

فالأنظمة كلها في الإسلام يجب أن يكون بناؤها على هذه القاعدة، سياسية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية. كما أن جميع التصورات والأفكار الإسلامية لا تنشأ إلا عنها، ولا ترتكز إلا عليها، وبهذا تعلمون سبب تصدير صفات المتقين في هذه الآية بالإيمان بالغيب، ولا ينبغي أن يفوتنا الحديث عن وضع كل من كلمتي الإيمان والغيب:

أما الإيمان؛ فقد ذكرت لكم في أول هذا الحديث أنه مأخوذ من معناه اللغوي وهو التصديق، ولوحظ هذا المعنى في الحقيقة الشرعية لهذه الكلمة، غير أن الشرع قد يطلقها على العقيدة وحدها، كما يستفاد من حديث جبريل - عليه السلام - في أركان الإيمان، وهو:

Bog aan la aqoon