السابع عشر: أنها أوردت هكذا ليصغي إليها المشركون لما فيها من الغرابة، فينصب في آذانهم ما يليها من المعاني التي يتدفق بها بيان الفرقان، وذلك أنهم كانوا يتصاممون عنه خشية تأثيره عليهم ببيانه البليغ، ومعناه الساطع، كما حكى الله عنهم قولهم:
لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون
[فصلت: 26]، فكانت هذه الفواتح وسيلة لإنصاتهم. قاله قطرب، وهو قريب من بعض ما تقدم.
الثامن عشر: أنها علامة لأهل الكتاب وعدوا بها من قبل أنبيائهم في سور الكتاب الذي ينزل على النبي المنتظر عليه أفضل الصلاة والسلام.
التاسع عشر: أنها أوردت هكذا تنبيها على تركب كلمات القرآن من الحروف الحادثة التي يتركب منها سائر الكلام، ليكون في ذلك هدم لدعوى من يقول بقدم القرآن من هذه الأمة، وذلك أن الله سبحانه علم أن قوما سيقولون ذلك، فأنزل هذه الحروف لتكون دليلا على بطلان معتقداتهم.
وتعقبه ابن عاشور بأن هذا وهم، لأن تأليف الكلام من أصوات الكلمات أشد دلالة على حدوثه من دلالة الحروف المقطعة لقلة أصواتها.
العشرون: أنها ثناء أثنى الله به على نفسه، روي عن ابن عباس وهو يرجع أيضا إلى بعض ما سبق.
وأكثر هذه الأقوال ليس بحاجة إلى دليل على ضعفه، ومن ورائها أقوال أكثر منها، فإن ما قيل في هذه الفواتح يناهز مائة قول أو يتجاوزها، فما من اسم من أسماء الله أو صفة من صفاته فيه حرف من هذه الحروف إلا قيل إنه المراد بذلك الحرف، سواء كان في أوله أو وسطه أو آخره، ومما لا يمارى فيه أن الأقوال - وان جلت منزلة قائلها - إذا لم تعضدها الأدلة لا تعدو أن تكون دعاوى أعوزتها البينات.
وإذا كان العلماء المتقدمون تباروا حسب فهومهم في تبيان المراد بهذه الفواتح، فإن المتأخرين من فرسان علم التفسير المعاصرين لم يكونوا أقل منهم عناية بها، وقد مر بكم ما استظهره العلامة صاحب المنار من نكت لطيفة، وبدائع ظريفة تتعلق بها.
وممن جرى في هذا المضمار شيخنا العلامة أبو إسحاق إبراهيم اطفيش - رحمه الله تعالى -، فقد سمعت منه في دروسه التفسيرية التي كان يلقيها بجزيرة زنجبار أيام زيارته لها عام 1380 ه، ما رأيته من بعد منقولا عنه في كتاب (إعجاز القرآن البياني بين النظرية والتطبيق) للدكتور حفني محمد شرف، وإليكم نص ما نقله عنه:
Bog aan la aqoon