الخ.
في المسألة مجال للاجتهاد:
وأنت تدري أن أمثال هذه الحجج التي استند إليها كلا الفريقين، ليس فيها ما يقطع به صحة أحد الرأيين، فتبقى المسألة مجالا للاجتهاد. ومن تجاسر على الخوض في تفسير هذه الفواتح ليس له أن يقطع بأن ما قاله هو عين المراد بها، فإن غاية ما في أقوال الخائضين في تفسيرها، الاستناد إلى قرائن قد تكون صحيحة أو غير صحيحة، وإنما يستأنس بجواز فهم معانيها بعدم وجود ما يدل على استنكار العرب الجاهليين لها مع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم القرآن عليهم، بل أثر ما يدل على تأثر بعضهم مع سماع سورة مفتتحة بها، وهو عتبة بن ربيعة، الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عليه عروضا في مقابل تنازله عن دعوته، فأسمعه النبي صلى الله عليه وسلم سورة (فصلت)، فلما وصل إلى قوله عز وجل:
فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود
[فصلت: 13]، وضع يده على في رسول الله صلى الله عليه وسلم إشفاقا من نزول العذاب، وانصرف إلى قومه طالبا منهم أن يكفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر أنه استنكر شيئا مما سمعه. وكان سبب إسلام عمر - رضي الله عنه - ما قرأه عند أخته من سورة (طه)، ولو كان شيء مما سمعاه لا تستسيغه فهوم العرب لما كان منهما هذا التأثر، بل لأدى ذلك إلى سخريتهما واستخفافهما به، كما يستأنس للجواز بما روي عن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - من تفسير هذه الكلمات، فإن معظم من روى عنهم التوقف عن القول فيها، رويت عنهم كذلك أقوال في بيان معانيها.
الأقوال الواردة في معانيها:
ونسب ابن عطية وأبو حيان والزمخشري جواز تفسيرها إلى الجمهور ونسبه الفخر إلى المتكلمين، وهؤلاء اختلفوا في المراد بها على نحو مائة قول أكثرها ليس له قسط من الدليل، بل مسحة كذب أهل الكتاب ظاهرة على كثير منها، ورد العلامة ابن عاشور في تفسيره (التحرير والتنوير) هذه الأقوال بعد حذف متداخلها وتوحيد متشاكلها، إلى عشرين قولا، وقد رأيت أن أقتصر عليها مع الافاضة فيها بتفصيل أدلتها وعزوها إلى أصحابها، وتبيان ما قيل فيها قبولا وردا، وإليكموها على الترتيب:
أولها: أنها حروف اقتضبت من أسماء وصفات لله عز وجل افتتحت بحروف مماثلة لها، ف { ألم } مثلا؛ الألف تشير إلى أحد أو أول أو آخر، واللام إلى لطيف، والميم إلى ملك أو مجيد أو نحو ذلك.
وهو المفهوم مما أخرجه ابن جرير في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا: أما { ألم } فهو حرف اشتق من حروف هجاء أسماء الله جل ثناؤه. وأخرج ابن جرير أيضا عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: { الم } و { حم } و { ن } ، قال: اسم مقطع. وروي مثل ذلك عن محمد بن كعب القرظي، والربيع بن أنس، واعترض عليه بأن صحة ما قالوه يتوقف على التوقيف وأنى لهم به.
ثانيها: أنها رموز لأسماء الله تعالى وأسماء الرسول صلى الله عليه وسلم والملائكة، ف { الم } مثلا، الألف من الله، واللام من جبريل، والميم من محمد. قاله الضحاك، وهو كالذي قبله في توقف صحته على التوقيف.
Bog aan la aqoon