راح الرجل يراجع بعناية الأسماء، ويدون بعض الملاحظات فقال المدير: أراهن على أنك جئت من أجل الحجرة 12. - هه؟ - الأمور تجري في شذوذ جنوني. - كل ما يقع ضمن الطبيعة فهو طبيعي!
ثم غادره وهو يقول: إذا طلبني التليفون فإني في الحجرة 12!
ذهل المدير، ولكنه اطمأن نوعا ما في الوقت نفسه، فما يحدث إنما يحدث بعلم الحكومة، وتحت سمعها وبصرها، وتذكر أنه فكر بمشاورة شيخ الفراشين، وهم بالضغط على الجرس عندما رأى سيد الأعمى زاحفا نحوه ففقد أعصابه وصاح به: قالت لك أن تنتظر حتى تستدعيك.
فابتسم الرجل بخنوع المعتاد للانتهار وقال: ولكن الانتظار قد طال. - انتظر بلا مناقشة، وتذكر أنك في فندق لا قرافة!
فرجع الرجل متصبرا، وتذكر المدير شيخ الفراشين فاستدعاه وسأله: كيف تجري الأمور في الحجرة 12؟ - لا أدري يا سيدي، ولكنها تضج بالأصوات. - كيف يتواجدون معا، وهي لا تتسع لهم ولو جلس بعضهم فوق بعض؟ - علمي علمك، ولكن على أي حال؛ فإن الضابط بالداخل أيضا.
وذهب الرجل فنظر المدير من النافذة فرأى الليل جاثما في الفضاء، وقد أضاءت المصابيح فشعت أنوارها وانية خلال الجو المشحون بالرطوبة العاصف بالرياح المزمجرة، وجاء طابور من خدم المطعم يحملون الصواني المكتظة بالأطعمة، فازداد عجبه، وقال لنفسه إنه لا يوجد بالحجرة إلا خوان واحد، فأين تصف الأطباق، وكيف يتناولون الطعام؟ وأخبره أحد الفراشين أن باب الحجرة لم يعد يفتح، وأن الأطعمة أدخلت من شراعة الباب، وأن الضحكات الصاخبة تجتاح الدور كله، وأصبح المشهد كله يعز على التصديق.
ورجع الفراش بعد نصف ساعة ليؤكد له أن القوم يسكرون، فقال له: لم أر زجاجة واحدة! - لعلها هربت في الجيوب، إنهم يغنون ويصرخون ويصفقون، تلك حال سكر وعربدة، وفسق أيضا فالنساء هناك لا يقلون عن الرجال عدا. - والمخبر؟ - سمعت صوته يغني «الدنيا سيجارة وكاس».
وقصف الرعد في الخارج، فقال المدير لنفسه «جائز جدا أني أحلم، وجائز أني جننت». وإذا بجماعة من عامة الشعب - تنطق وجوههم وملابسهم بشعبيتهم - قدموا، وسأل سائلهم: هل السيدة بهيجة الذهبي تقيم هنا؟
فابتسم المدير يائسا، واتصل بالمرأة، فرجته أن يجعلهم ينتظرون في الاستراحة، وأن يقدم لهم المشروبات، فأشار الرجل لهم نحو الاستراحة، فأمر بتقديم الشاي لهم، فامتلأت الاستراحة وازداد سيد الأعمى قلقا. وجعل المدير يبتسم يائسا ويغمغم: لم يعد الفندق فندقا، ولم أعد مديرا، لم يعد اليوم من الزمان، فليرقص الجنون ما شاءت له اللحوم والخمور.
وبدأ تساقط المطر، وأرعدت السماء، ولمع الأسفلت عند مدخل الفندق بأضواء المصابيح ودغدغة المطر، وتتابع دبيب الأقدام ، وارتفعت صيحات غلمان مهللة، ولجأ عابرون إلى عنق المدخل، وتوالت الضربات المرجفة فوق زجاج النافذة، غادر مكانه إلى مقدم المدخل فقلب وجهه في السماء المظلمة، ثم نظر إلى الأرض فرأى السيل المنهمر، ينصب عليها كالحصى، ويجرف منحدراتها كالطوفان، لقد تلبد واحتدم ثم انفجر. - إنه مطر لم يسقط نظيره منذ جيل على الأقل.
Bog aan la aqoon