هزت رأسها الملفوف بحركة عصبية: أنا الريسة!
وارتفعت ذراعها تمسك الصفارة الراقدة فوق صدرها. أخذت تلفها بين أصابعها كحبات السبحة. تدور بها حول نفسها. شفتاها تتمتمان بآية تطرد أرواح الجن.
ويرن صوت المدير في البهو الواسع ذي الأعمدة الحجرية: غرفة منفردة تحت الملاحظة وثلاث جلسات في الأسبوع. - حاضر يا فندم.
يخرج صوت الرئيسة من بين أسنانها دون أن تحرك شفتيها، ثم اختفى الجميع، إلا أربعة من التمورجية، وجنات واقفة كما كانت وحذاؤها في يدها. أرادت أن تصعد إلى غرفتها وحدها، لكن ثماني أذرع امتدت نحوها. أمسكوها. ساقوها عبر ممرات مظلمة طويلة. صعدوا بها دورا وراء دور. سلالم متآكلة تئن تحت أقدامهم بصوت مكتوم، كمواء القطط المريضة. داخل غرفتها بجوار عنبر الحريم تركوها فوق السرير. أغلقوا الباب عليها بالمفتاح. سمعت الصرير بأذنيها وهي مغمضة العينين.
كالحلم القديم يتحول فجأة إلى حقيقة. تفتح عينيها وتغمضهما. أين هي؟ وهذه النافذة ذات القضبان رأتها من قبل في النوم، أو في حياة أخرى قبل أن تولد.
عيناها تنفذان خلال الأعمدة الحديدية، نظرتها ممدودة بامتداد الصحراء. ترتد إليها وتدور بها على السور الحجري العالي. تهبط إلى المساحة الجرداء حول السراي. كانوا يسمونها الحديقة. عشب ذابل كالبقع الصفراء فوق الأرض. عمود حجري حفرت عليه نقوش فرعونية. هذا الرسم رأته من قبل. يشبه صورة العجل أبيس أو الإله رع في كتاب المدرسة. كانت في السنة الأولى الابتدائية وكان للآلهة رءوس لها قرون.
وراء جذع شجرة مقطوعة لمحته مختفيا. جلبابه واسع أبيض مربوط عند الوسط بحزام رفيع. شعر رأسه أسود كثيف يغطي عنقه من الخلف. أحد التمورجية يدور حول الشجرة ليمسكه. يفلت منه ويصفق بيديه كالطفل يلعب «الاستغماية». - أنا هوه أنا هوه ...
ثم رفع وجهه ورآها واقفة خلف النافذة. التقت عيونهما في نظرة طويلة كأنما التقيا من قبل. هتفت: أنا جنات.
دوى صوتها في الفضاء وذاب في الهواء، وهو واقف شاخص نحوها بعينين متسعتين. اسمها جنات، وهو يحلم بجنة واحدة.
انقض عليه التمورجي وأمسكه من ذراعه. - مسكتك يا إبليس.
Bog aan la aqoon