دوت الكلمة في أذنيها. عيناها تحملقان في عينيه. أيكون هو؟
الجلسة الأولى
فتحت عينيها في الظلمة نصف فتحة بحركة سرية. تختلس من وراء عقلها نظرة إلى العالم. السقف أجرب مشقق نشت منه مياه قديمة. مطر ربما منذ نوح عليه السلام، وعروق خشبية متآكلة هبطت تحت ثقل الزمن. تطقطق في أذنيها كسرير جدتها.
عيناها تتسعان. يزداد سوادهما دهشة. أين السقف المدهون بالبلاستيك الأبيض والستارة الزرقاء الشفافة؟ تبرز المقلتان بلون داكن وسط البياض. تدور بهما على الجدران المشققة، رطوبة الشتاء ثم حرارة الصيف. يجف البلل. يتشقق الطلاء الجيري. تسقط منه أجزاء على نحو عشوائي أو غير عشوائي. نظام كوني دقيق لا يترك شيئا للصدفة. هكذا كانت تسمع من جدها، وإلا لماذا رسمت الأجزاء الساقطة من الطلاء صورة الإله رع أو العجل أبيس؟ قرناه يلتويان إلى الأمام بحركة مرثية وعيناه جاحظتان كعيني الشيخ بسيوني. - الشيخ بسيوني؟
فركت عينيها بإصبع رمادي كالجرانيت، غابت عنه الشمس منذ موت ابنها. أو ربما هو إصبع امرأة أخرى عاشت وماتت ثم انتبهت وفتحت عينيها نصف فتحة وفركت بطرف إصبعها جفونها.
مدت الإصبع الرمادي ومعه يدها الناحلة. ذراعها كالعصا الخيزران داخل كم جلباب أبيض ينتهي بكشكشة وإسورة واسعة. أين ساعة يدها؟
زحفت يدها بأصابعها الخمس فوق المنضدة المشققة. ظل الأصابع الخمس يتحرك فوق الجدار الداكن السمرة كأصابع جدتها. أمسكت الساعة الصغيرة ذات القرص الذهبي. أهدتها إليها أمها بعد نجاحها في الابتدائية. قربت من عينيها القرص الصغير بحجم القرش أو المليم القديم. كاد يلتصق بجفونها الباردة. لم تر العقرب الكبير ولا الصغير. الأرقام دوائر سوداء تنتهي بذيول مشرشرة كأرجل الذباب العائم في الماء.
جسدها ينتفض فوق السرير. تسمع اهتزازات الأسلاك تحت المرتبة المطاطية، كانت ترى العقرب الصغير في عز الليل دون أن تضيء النور، ثم أصبح العقرب الصغير يختفي. العقرب الكبير أيضا بدأ بالاختفاء. أتكون هذه العلامة هي اقتراب الموت، وأنها تشهد بنفسها انسحاب روحها من جسمها؟ اتسعت جفونها أكثر، تذكرت معها ما نسيته. لم تعد ترى العالم على حقيقته دون أن تضع فوق عينيها النظارة الزجاجية.
امتدت يدها وأمسكت النظارة. رفعتها فوق أنفها تثبت «الشنبر» الرفيع البلاستيك. قبل أن تنظر إلى الساعة أدركت فجأة أنها في غير حاجة إلى أن تعرف الوقت. بحركة بسيطة أزاحت «الشنبر» من فوق أنفها. حركة لم تستغرق من الوقت جزءا من الثانية، لكنها بدت في عيني المدير علامة على غياب العقل.
كان المدير جالسا إلى جوار السرير. يرمقها بمقلتين رماديتين من وراء زجاج نظارته. الرئيسة واقفة إلى جواره داخل ثوبها الأبيض في يدها الإبرة تلمع، ترسم لنفسها فوق الجدار نصلا طويلا مدببا كالسكين. غرزتها في ذراعها تحت الكم. دعكتها بقطعة من القطن المبلل بكحول أبيض.
Bog aan la aqoon