Jaamacadda Islaamka iyo Yurub
الجامعة الإسلامية وأوربا
Noocyada
وعليه يقاس ما هو أعم من هذه الرابطة وهي عصبية الدين، ومثاله أن الترك المسلمين ضعاف بإزاء الأمم المسيحية إذا اعتصبت عليهم بجامعة الدين، فلابد لتكافؤ قوتهم مع هؤلاء من أن يتعصب للترك كل المسلمين، وهناك روابط أخرى وهي الروابط الودادية والسياسية التي يستدعيها أحيانا اتحاد المصالح، إلا أنها ليست بطبيعية الوجود بين الأقوام، بل هي طارئة قد تحل وتزول بزوال أسبابها العارضة، وأما الروابط الأخرى لا سيما رابطة الجنس والوطن، فإنها طبيعية الوجود لا سبيل إلى انحلالها إلا بانحلال القوم المنتسبين إليها، ويلي هاتين في المنزلة العصبية الدينية، ونقول تليهما هذه العصبية؛ لأنها نادرة الظهور بين الأمم ولا يلجأ إليها إلا حين الضرورة القصوى، وقل ما جمع الدين كلمة أهله بأجمعهم إلا في الشاذ النادر اللهم إلا في العواطف دون الفعل، فقد يتألم مسلم الغرب لمسلم الشرق إذا أصيب بمصيبة كبرى، فلا يتعدى تألمه هذا دائرة الشعور، وهذا الإسلام فإنه مع حضه أهله على التعاون والإخاء كما سنبين بعد نراهم كانوا أقل الأمم اجتماعا على كلمة الدين إلا فيما لم يتجاوز عهد النبوة، وربما كان لهم اجتماع على عهد الخليفتين أبي بكر وعمر، ومن ثم أخذت عصبيتهم الدينية بالتفرق والانقسام وحلت محلها العصبيات الأخرى، فلم يلتئم بعدها لهم صدع، ولم تضمهم جامعة الدين حتى في إبان المصائب الكبرى التي حلت في ساحة الإسلام، وكان من مقتضاها اجتماعهم على رابطة الدين فلم يفعلوا، وسببه حكم الأفراد الذي بسط يده الحديدية على المسلمين بعد دولة الخلفاء الراشدين ففرقهم بتفرق أهواء أولئك الجبارين وأذهلهم حتى عن أوامر دينهم المبين وقانونه الجامع لمصالح الناس أجمعين.
وهذه الحروب الصليبية التي أثار نارها في أواخر القرن الحادي العشر للمسيح الراهب بطرس الناسك والبابا أوربانس الثاني، فمع استمرار هذه الحروب مدة تزيد عن جيلين، فإن المسيحية كانت أنشط في جمع كلمة أهلها من الإسلام، ولم يعهد في تاريخ تلك الحروب اجتماع لكلمة المسلمين كما اجتمعت كلمة المسيحيين، بل كل ما عهد في التاريخ أن السلطان نور الدين زنكي أمكنه بحكمته وجميل شيمه وحسن سياسته أن يجمع إليه باسم الدين كلمة بعض الأمراء الأتابكية في الجزيرة وسورية سنة (559ه) بعد ما لاقى من جيوش الصليب ضروب القهر وأشرفت دولته على شفا السقوط، وبعد أن أخذ يكاتب العباد والزهاد ممن لهم سلطة روحية على نفوس العامة في الجزيرة مستنجدا بنفوذهم مبينا لهم ما وصل إليه إخوانهم المسلمون من الضنك وما يتهددهم من خطر الاضمحلال العاجل، فأنجده حينئذ بعض أمراء الجزيرة.
بل إن هناك كارثة أعظم ومصيبة أكبر وأعم حلت في أوائل القرن السابع الهجري بالشرق الإسلامي، فعفت بها آثاره وتداعى عمرانه، وتضاءلت دوله، وقضي على الخلافة العباسية في عروس أقطاره وعاصمة ملكه، ألا وهي هجمات التتار الذين خرجوا من أقصى الشرق فغزوا الممالك الإسلامية بخيلهم ورجلهم، وقصدوا الشرق الأدنى بقضهم وقضيضهم، فكانوا كشواظ من نار يلتهم كل ما أتى عليه من الخضراء واليابسة حتى بلغوا سورية وآسيا الصغرى، وإليك ما قاله ابن الأثير في حوادث سنة (617ه) في مقدمة كلامه على كارثة التتار؛ لتعلم مبلغ فعلها في المسلمين وقبيح أثرها في البلاد، قال:
لقد بقيت عدة سنين معرضا عن ذكر هذه الحادثة استعظاما لها كارها لذكرها، فأنا أقدم إليه رجلا وأوخر أخرى فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين، ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك، فياليت أمي لم تلدني ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا، إلا أني حثني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها وأنا متوقف، ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعا فنقول: هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التي عقت الأيام والليالي عن مثلها، عمت الخلائق وخصت المسلمين، فلو قال قائل مذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم إلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقا، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها.
إلخ ما وصف به هذه الحادثة.
وأنت ترى أنها حادثة كبرى كانت تهدد كل دول الإسلام في الشرق الأدنى بالزوال، وتنذر المسلمين بسوء المآل، وقد شعروا عند أول صدمة من صدمات هؤلاء الهمج الوثنيين الغزاة أن لا قبل لعصبيات الدول والشعوب الإسلامية بهم، ولا قوة تصد تيارهم المتجه صوب الممالك الإسلامية إلا قوة الاجتماع التي تقابل قوتهم، ولم يكن أدعى يومئذ لمثل هذا الاجتماع مثل الدين الذي يضم تلك الدول المتفرقة والعصبات المتغالبة بحكم الرابطة الإسلامية، ومع هذا فلم يجمع على هذا الأمر رأي، ولم تقل بوجوب السعي إليه والاعتصام به دولة من تلك الدول المخذولة التي يقرأ أمراؤها في كتابهم المنزل
واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، بل انفرد كل قوم بعصبيتهم، وزادت كل دولة عن حوضها بسلاحها حتى وهنت قواهم جميعا، وفعل التتار في ممالكهم فعلا مروعا انتهى بالتسلط على أكثر الممالك الشرقية الإسلامية وبزوال الخلافة العباسية.
هل صحيح ما تقوله أوروبا عن الجامعة الإسلامية؟
علمت أيها القارئ من هذا التمهيد أن الاجتماع يستدعي بطبيعته وجود الروابط القومية والوطنية إلخ، وأن الغرض من هذه الروابط حفظ التوازن بين قوى المجتمعات الإنسانية الميالة إلى المغالبة بحكم الأنانية والطمع، وأن أقل هذه الروابط تأثيرا في المجتمعات رابطة الدين، وأن المسلمين لم تجمعهم هذه الجامعة يوما حتى ولا على التعاون على دفع الكوارث الكبرى التي حلت ببلاد الإسلام من هجمات أهل الصليب والتتار، ولو اجتمع المسلمون أمام أمثال هذه الجوامع الكبرى، سواء في ذلك الوقت أو الآن أو في كل زمان، لأتوا عملا تستدعيه طبيعة الوجود لا سبة فيه ولا مؤاخذة عليه، إلا إذا محيت من صفحات الوجود قوانين الروابط الاجتماعية بحكم الأخوة الإنسانية والمساواة العامة بين أفراد البشر وأقوامهم، ولا يكون هذا ولن يكون إلا إذا استبدل البشر بخلق آخرين من جنس الملائكة المطهرين.
إذا تقرر هذا فاعلم أن دعوى القائلين بخطر الجامعة الإسلامية المتوقع بمعناها الذي يريده أولئك القائلون مدفوعة من وجوه:
Bog aan la aqoon