فصل في فضائل الأخلاق ورذائلها فضائل الأخلاق من المنجيات الموصلة إلى السعادة الأبدية، ورذائلها من المهلكات الموجبة للشقاوة السرمدية، فالتخلي عن الثانية والتحلي بالأولى من أهم الواجبات والوصول إلى الحياة الحقيقية بدونهما من المحالات.
فيجب على كل عاقل أن يجتهد في اكتساب فضائل الأخلاق التي هي الأوساط (1) المثبتة من صاحب الشريعة والاجتناب عن رذائلها التي هي الأطراف، ولو قصر أدركته الهلاكة الأبدية، إذ كما أن الجنين لو خرج عن طاعة ملك الأرحام المتوسط في الخلق لم يخرج إلى الدنيا سويا سميعا بصيرا ناطقا، كذلك من خرج عن طاعة نبي الأحكام المتوسط في الخلق لم يخرج إلى عالم الآخرة كذلك.
ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا (2).
ثم ما لم تحصل التخلية لم تحصل التحلية ولم تستعد النفس للفيوضات القدسية، كما أن المرآة ما لم تذهب الكدورات عنها لم تستعد لارتسام الصور فيها، والبدن ما لم تزل عنه العلة لم تتصور له إفاضة الصحة، والثوب ما لم ينق عن الأوساخ لم يقبل لونا من الألوان، فالمواظبة على الطاعات الظاهرة لا تنفع ما لم تتطهر النفس من الصفات المذمومة كالكبر والحسد والرياء، وطلب الرياسة والعلى وإرادة السوء للاقران والشركاء وطلب الشهرة في البلاد وفي العباد، وأي فائدة في تزيين الظواهر مع إهمال البواطن.
ومثل من يواظب على الطاعات الظاهرة ويترك تفقد قلبه كبئر الحش (3) ظاهرها جص وباطنها نتن، وكقبور الموتى ظاهرها مزينة وباطنها
Bogga 36