بخدائع الطبيعة، ولا يلتفت إلى شئ يعوقه عن سعادته، ولا يحزن على فقد محبوب، ولا فوت مطلوب، وإذا صفى من الأمور الطبيعية بالكلية زالت عنه العوارض النفسانية، والخواطر الشيطانية بأسرها، وفنى عنه إرادته المتعلقة بالأمور الخارجة. وحينئذ يمتلي من المعارف الإلهية، والشوق الإلهي والبهجة الإلهية، والشعار الإلهي، وتتقرر الحقائق في عقله كتقرر القضايا الأولية فيه، بل يكون علمه بها أشد إشراقا وظهورا من علمه بها.
وإذا بلغ هذه الغاية فقد استعد للوصول إلى المرتبة القصوى، ومجاورة الملأ الأعلى فيصل إلى ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ويفوز بما أشير إليه في الكتاب الإلهي بقوله:
فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين (34).
فصل الأقوال في الخير والسعادة والتوفيق بينها إعلم أن الغاية في تهذيب النفس عن الرذائل وتكميلها بالفضائل هو الوصول إلى الخير والسعادة. والسلف من الحكماء قالوا: إن " الخير " على قسمين مطلق ومضاف، والمطلق هو المقصود من إيجاد الكل، إذ الكل يتشوقه وهو غاية الغايات، والمضاف ما يتوصل به إلى المطلق. و " السعادة " هو وصول كل شخص بحركته الإرادية النفسانية إلى كماله الكامن في جبلته.
وعلى هذا فالفرق بين الخير والسعادة أن الخير لا يختلف بالنسبة إلى الأشخاص والسعادة تختلف بالقياس إليهم.
ثم الظاهر من كلام أرسطاطاليس إن الخير المطلق هو الكمالات النفسية والمضاف ما يكون معدا لتحصيلها كالتعلم والصحة، أو نافعا فيه كالمكنة والثروة.
وأما السعادة فعند الأقدمين من الحكماء راجعة إلى النفوس فقط، وقالوا ليس للبدن فيها حظ، فحصروها في الأخلاق الفاضلة، واحتجوا على ذلك بأن حقيقة الإنسان هي النفس الناطقة والبدن آلة لها، فلا يكون ما يعد كمالا له سعادة للانسان. وعند المتأخرين منهم كأرسطو ومن تابعه راجعة إلى الشخص حيث التركيب، سواء تعلقت بنفسه أو بدنه، لأن كل ما يلائم جزءا
Bogga 57