Jamic Li Ahkam Quran
الجامع لاحكام القرآن
Baare
أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش
Daabacaha
دار الكتب المصرية
Lambarka Daabacaadda
الثانية
Sanadka Daabacaadda
١٣٨٤ هـ - ١٩٦٤ م
Goobta Daabacaadda
القاهرة
إِلَى بَعْضٍ غَيْرُ مُمْتَنِعَةٍ وَلَا مُسْتَحِيلَةٍ، فَلَمْ يَبْعُدْ أَنْ يُقِيمَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَدِلَّةَ عَلَى صِدْقِ مَخْلُوقٍ أَتَى عَنْهُ بِالشَّرْعِ وَالْمِلَّةِ. وَدَلَّتِ الأدلة العقلية أيضا على أن المسيخ الدَّجَّالَ فِيهِ التَّصْوِيرُ وَالتَّغْيِيرُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِالْمُحْدَثَاتِ، تَعَالَى رَبُّ الْبَرِيَّاتِ عَنْ أَنْ يشبه شيئا أو يشبهه شي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
فصل [في أن المعجزات على ضربين]
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعْجِزَاتِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: الْأَوَّلُ مَا اشْتَهَرَ نَقْلُهُ وَانْقَرَضَ عَصْرُهُ بِمَوْتِ النَّبِيِّ ﷺ. وَالثَّانِي مَا تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ بِصِحَّتِهِ وَحُصُولِهِ، وَاسْتَفَاضَتْ بِثُبُوتِهِ وَوُجُودِهِ، وَوَقَعَ لِسَامِعِهَا الْعِلْمُ بِذَلِكَ ضَرُورَةً، وَمِنْ شروطه أَنْ يَكُونَ النَّاقِلُونَ لَهُ: خَلْقًا كَثِيرًا وَجَمًّا غَفِيرًا، وَأَنْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِمَا نَقَلُوهُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا، وَأَنْ يَسْتَوِيَ فِي النَّقْلِ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمْ وَوَسَطُهُمْ فِي كَثْرَةِ الْعَدَدِ، حَتَّى يَسْتَحِيلَ عَلَيْهِمُ التَّوَاطُؤُ عَلَى الْكَذِبِ، وَهَذِهِ صِفَةُ نَقْلِ الْقُرْآنِ، وَنَقْلِ وُجُودِ النَّبِيِّ ﵊، لِأَنَّ الْأُمَّةَ ﵂ لَمْ تَزَلْ تَنْقِلُ الْقُرْآنَ خَلَفًا عَنْ سَلَفِ وَالسَّلَفُ عَنْ سَلَفِهِ إِلَى أَنْ يَتَّصِلَ ذَلِكَ بِالنَّبِيِّ ﵇ الْمَعْلُومِ وَجُودُهُ بِالضَّرُورَةِ، وَصِدْقُهُ بِالْأَدِلَّةِ الْمُعْجِزَاتِ، وَالرَّسُولُ أَخَذَهُ عَنْ جِبْرِيلَ ﵇ عَنْ رَبِّهِ ﷿، فَنَقَلَ الْقُرْآنَ فِي الْأَصْلِ رَسُولَانِ مَعْصُومَانِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَنَقَلَهُ إِلَيْنَا بَعْدَهُمْ أَهْلُ التَّوَاتُرِ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الْكَذِبُ فِيمَا يَنْقُلُونَهُ وَيَسْمَعُونَهُ، لِكَثْرَةِ الْعَدَدِ وَلِذَلِكَ وَقَعَ لَنَا الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ بِصِدْقِهِمْ فِيمَا نَقَلُوهُ مِنْ وُجُودِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَمِنْ ظُهُورِ الْقُرْآنِ عَلَى يَدَيْهِ وَتَحَدِّيهِ بِهِ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِ الدُّنْيَا عِلْمُ الْإِنْسَانِ بِمَا نُقِلَ إِلَيْهِ مِنْ وُجُودِ الْبُلْدَانِ، كَالْبَصْرَةِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَالْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الْكَثِيرَةِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، فَالْقُرْآنُ مُعْجِزَةُ نَبِيِّنَا ﷺ الْبَاقِيَةُ بَعْدَهُ إِلَى يوم القيامة، ومعجزة كلى نبي انقرضت بانقراضه، أو دخلها التبديل والتغير، كالتوراة والإنجيل.
1 / 72