بجامعة الأزهر آنذاك.
فلقد فتح أبصارنا على المصادر الأصلية للثقافة، وأوجب علينا الرجوع إليها، وأبان لنا عن المنهج الأمثل في التخريج والتحقيق، والعناية بتاريخ الرجال، وعلل الحديث، ونبذ كتب القرون المتأخرة، والرجوع إلى المصادر الأولى التي ألفها العلماء الأعلام في عصور العلم الزاهرة، والتي صرفتنا عنها الكتب المتأخرة فلم نكد نعرف عنها شيئًا.
ولفت أنظارنا إلى وجوب قيام شباب العلماء بإحياء كتب التراث الإسلامي النافعة.
وأن نشر التراث الإسلامي إن كان فرض كفاية فيما مضى، فهو الآن فرض عين على القادرين في عصرنا هذا الذي فتحت فيه نوافذ الفكر الغربي على مصاريعها حتى تستبين أصالتنا، ونسهم بقيمنا في صنع التقدم، وبناء الحضارة الإنسانية.
إنه واجب على العلماء أن يُعْنَوْا به، وأن يبذلوا فيه أقصى ما يستطيعون من جهد ووقت ومال، وإن عليهم أن يذكروا أن ميدان النشر من أهم ميادين الجهاد في سبيل الإسلام.
وأنه واجب مفترض؛ قيامًا بحق النصيحة لله ولكتابه ولرسوله وللمؤمنين.
ولقد حدثنا ذات يوم عن "ابن رجب" وكشف لنا عن جانبه الحديثي الممتاز وأحضر لنا الجزء الأخير من "شرح ابن رجب لعلل الترمذي" وقرأ لنا الكثير من نصوصه فبهر عقولنا ما فيه من المعلومات النادرة، والفوائد الغريبة والعجيبة التي تدل على تمكن من علوم الحديث، وبصر بمصادره العديدة.
ولقد كان لتلك القراءة أثرها البالغ في نفسي، والذي حفزني إلى الاطلاع على مؤلفاته وقراءتها بعين التحقيق والتدقيق.
ثم حبب إليَّ أن أتخصص في دراسة "ابن رجب" من الناحية الحديثية، وأن أعنى بنشر كتبه، وتحقيقها، وتخريج أحاديثها؛ لقيمتها العلمية، وأثرها في الحياة؛ فجاء هذا الكتاب أول استجابة عملية لهذا التوجيه.
وإني لأشكر له هذه اليد الطولى التي تبدأ -اليوم معنا- جولة جديدة في مجال خدمة السنة، وتحقيق التراث بوزارة الأوقاف.
لقد تقرر إنشاء المركز الدولي للسيرة والسنة النبوية بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
وقد وافق سيادته على أن يشرف على قسم السنة النبوية، كما وافق فضيلة الأستاذ الدكتور "محمد الطيب النجار" رئيس جامعة الأزهر السابق، وعضو مجمعي اللغة
1 / 26