Jamic Bayan
جامع البيان في تفسير القرآن
على قمة الرأس ابن ماء محلق
وأما قوله { والسائلين } فإنه يعني به: المستطعمين الطالبين. كما: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن إدريس، عن حصين، عن عكرمة في قوله: { والسائلين } قال: الذي يسألك. وأما قوله: { وفي الرقاب } فإنه يعني بذلك: وفي فك الرقاب من العبودة، وهم المكاتبون الذين يسعون في فك رقابهم من العبودة بأداء كتاباتهم التي فارقوا عليها ساداتهم.
القول في تأويل قوله تعالى: { وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا }. يعني تعالى ذكره بقوله: { وأقام الصلاة } أدام العمل بها بحدودها، وبقوله: { وآتى الزكاة } أعطاها على ما فرضها الله عليه. فإن قال قائل: وهل من حق يجب في مال إيتاؤه فرضا غير الزكاة؟ قيل: قد اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: فيه حقوق تجب سوى الزكاة واعتلوا لقولهم ذلك بهذه الآية، وقالوا: لما قال الله تبارك وتعالى: { وآتى المال على حبه ذوي القربى } ومن سمى الله معهم، ثم قال بعد: { وأقام الصلاة وآتى الزكاة } علمنا أن المال الذي وصف المؤمنين به أنهم يؤتونه ذوي القربى، ومن سمى معهم غير الزكاة التي ذكر أنهم يؤتونها لأن ذلك لو كان مالا واحدا لم يكن لتكريره معنى مفهوم. قالوا: فلما كان غير جائز أن يقول تعالى ذكره قولا لا معنى له، علمنا أن حكم المال الأول غير الزكاة، وأن الزكاة التي ذكرها بعد غيره. قالوا: وبعد فقد أبان تأويل أهل التأويل صحة ما قلنا في ذلك. وقال آخرون: بل المال الأول هو الزكاة، ولكن الله وصف إيتاء المؤمنين من آتوه ذلك في أول الآية، فعرف عباده بوصفه ما وصف من أمرهم المواضع التي يجب عليهم أن يضعوا فيها زكواتهم ثم دلهم بقوله بعد ذلك: { وآتى الزكاة } أن المال الذي آتاه القوم هو الزكاة المفروضة كانت عليهم، إذ كان أهل سهمانها الذين أخبر في أول الآية أن القوم آتوهم أموالهم. وأما قوله: { والموفون بعهدهم إذا عاهدوا } فإنه يعني تعالى ذكره: والذين لا ينقضون عهد الله بعد المعاهدة، ولكن يوفون به ويتمونه على ما عاهدوا عليه من عاهدوه عليه. كما: حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس في قوله: { والموفون بعهدهم إذا عاهدوا } قال: فمن أعطى عهد الله ثم نقضه فالله ينتقم منه، ومن أعطى ذمة النبي صلى الله عليه وسلم ثم غدر بها فالنبي صلى الله عليه وسلم خصمه يوم القيامة. وقد بينت العهد فيما مضى بما أغنى عن إعادته ههنا. القول في تأويل قوله تعالى: { والصابرين في البأساء والضراء }. قد بينا تأويل الصبر فيما مضى قبل. فمعنى الكلام: والمانعين أنفسهم في البأساء والضراء وحين البأس مما يكرهه الله لهم الحابسيها على ما أمرهم به من طاعته. ثم قال أهل التأويل في معنى البأساء والضراء بما: حدثني به الحسين بن عمرو بن محمد العبقري، قال: حدثني أبي، وحدثني موسى، قال: ثنا عمرو بن حماد، قالا جميعا: ثنا أسباط، عن السدي، عن مرة الهمداني، عن ابن مسعود أنه قال: أما البأساء فالفقر، وأما الضراء فالسقم. حدثنا ابن وكيع قال: ثنا أبي، وحدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قالا جميعا: ثنا شريك، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله في قوله: { والصابرين في البأساء والضراء } قال: البأساء الجوع، والضراء المرض.
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله، قال: البأساء: الحاجة، والضراء: المرض. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كنا نحدث أن البأساء: البؤس والفقر، وأن الضراء: السقم، وقد قال النبي أيوب صلى الله عليه وسلم:
أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين
[الأنبياء: 83]. حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: { والصابرين في البأساء والضراء } قال: البؤس: الفاقة والفقر، والضراء في النفس من وجع أو مرض يصيبه في جسده. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: البأساء والضراء قال: البأساء: البؤس، والضراء: الزمانة في الجسد. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا عبيد، عن الضحاك، قال: البأساء والضراء: المرض. حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: { والصابرين في البأساء والضراء } قال: البأساء: البؤس والفقر، والضراء: السقم والوجع. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عبيد بن الطفيل، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في هذه الآية: { والصابرين في البأساء والضراء } أما البأساء: الفقر، والضراء: المرض. وأما أهل العربية: فإنهم اختلفوا في ذلك، فقال بعضهم: البأساء والضراء مصدر جاء على فعلاء ليس له أفعل لأنه اسم، كما قد جاء أفعل في الأسماء ليس له فعلاء نحو أحمد، وقد قالوا في الصفة أفعل ولم يجىء له فعلاء، فقالوا: أنت من ذلك أوجل، ولم يقولوا وجلاء. وقال بعضهم: هو اسم للفعل، فإن البأساء البؤس، والضراء الضر، وهو اسم يقع إن شئت لمؤنث وإن شئت لمذكر، كما قال زهير:
فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم
كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم
يعني فتنتج لكم غلمان شؤم. وقال بعضهم: لو كان ذلك اسما يجوز صرفه إلى مذكر ومؤنث لجاز إجراء أفعل في النكرة، ولكنه اسم قام مقام المصدر والدليل على ذلك قولهم: «لئن طلبت نصرتهم لتجدنهم غير أبعد» بغير إجراء وقال: إنما كان اسما للمصدر لأنه إذا ذكر علم أنه يراد به المصدر. وقال غيره: لو كان ذلك مصدرا فوقع بتأنيث لم يقع بتذكير، ولو وقع بتذكير لم يقع بتأنيث لأن من سمي بأفعل لم يصرف إلى فعلى، ومن سمي بفعلى لم يصرف إلى أفعل، لأن كل اسم يبقى بهيئته لا يصرف إلى غيره، ولكنهما لغتان، فإذا وقع بالتذكير كان بأمر أشأم، وإذا وقع البأساء والضراء، وقع الخلة البأساء والخلة الضراء، وإن كان لم يبن على الضراء الأضر ولا على الأشأم الشأماء، لأنه لم يرد من تأنيثه التذكير ولا من تذكيره التأنيث، كما قالوا: امرأة حسناء، ولم يقولوا: رجل أحسن، وقالوا: رجل أمرد، ولم يقولوا: امرأة مرداء فإذا قيل الخصلة الضراء والأمر الأشأم دل على المصدر، ولم يحتج إلى أن يكون اسما، وإن كان قد كفى من المصدر.
وهذا قول مخالف تأويل من ذكرنا تأويله من أهل العلم في تأويل البأساء والضراء وإن كان صحيحا على مذهب العربية وذلك أن أهل التأويل تأولوا البأساء بمعنى البؤس، والضراء بمعنى الضر في الجسد، وذلك من تأويلهم مبني على أنهم وجهوا البأساء والضراء إلى أسماء الأفعال دون صفات الأسماء ونعوتها. فالذي هو أولى بالبأساء والضراء على قول أهل التأويل أن تكون البأساء والضراء أسماء أفعال، فتكون البأساء اسما للبؤس، والضراء اسما للضر. وأما الصابرين فنصب، وهو من نعت «من» على وجه المدح، لأن من شأن العرب إذا تطاولت صفة الواحد الاعتراض بالمدح والذم بالنصب أحيانا وبالرفع أحيانا، كما قال الشاعر:
Bog aan la aqoon