306

Jamic Bayan

جامع البيان في تفسير القرآن

وقد قيل: إن الرجل الذي تقبل إحدى قدميه على الأخرى إنما قيل له أحنف نظرا له إلى السلامة، كما قيل للمهلكة من البلاد: المفازة، بمعنى الفوز بالنجاة منها والسلامة وكما قيل للديغ: السليم، تفاؤلا له بالسلامة من الهلاك، وما أشبه ذلك. فمعنى الكلام إذا: قل يا محمد بل نتبع ملة إبراهيم مستقيما. فيكون الحنيف حينئذ حالا من إبراهيم. وأما أهل التأويل فإنهم اختلفوا في تأويل ذلك، فقال بعضهم: الحنيف: الحاج. وقيل: إنما سمي دين إبراهيم الإسلام الحنيفية، لأنه أول إمام لزم العباد الذين كانوا في عصره والذين جاءوا بعده إلى يوم القيامة اتباعه في مناسك الحج، والائتمام به فيه. قالوا: فكل من حج البيت فنسك مناسك إبراهيم على ملته، فهو حنيف مسلم على دين إبراهيم. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا القاسم بن الفضل، عن كثير أبي سهل، قال: سألت الحسن عن الحنيفية، قال: حج البيت. حدثني محمد بن عبادة الأسدي، قال: ثنا عبد الله بن موسى، قال: أخبرنا فضيل، عن عطية في قوله: { حنيفا } قال: الحنيف: الحاج. حدثني الحسين بن علي الصدائي، قال: ثنا أبي، عن الفضيل، عن عطية مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام بن سالم، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد، قال: الحنيف: الحاج. حدثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن التيمي، عن كثير بن زياد، قال: سألت الحسن عن الحنيفية، قال: هو حج هذا البيت قال ابن التيمي: وأخبرني جويبر، عن الضحاك بن مزاحم مثله. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن السدي، عن مجاهد: { حنفاء } قال: حجاجا. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: { حنيفا } قال: حاجا. حدثت عن وكيع، عن فضيل بن غزوان عن عبد الله بن القاسم، قال: كان الناس من مضر يحجون البيت في الجاهلية يسمون حنفاء، فأنزل الله تعالى ذكره:

حنفآء لله غير مشركين به

[الحج: 31]. وقال آخرون: الحنيف: المتبع، كما وصفنا قبل من قول الذين قالوا: إن معناه الاستقامة. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { حنفاء } قال: متبعين. وقال آخرون: إنما سمي دين إبراهيم الحنيفية، لأنه أول إمام سن للعباد الختان، فاتبعه من بعده عليه. قالوا: فكل من اختتن على سبيل اختتان إبراهيم، فهو على ما كان عليه إبراهيم من الإسلام، فهو حنيف على ملة إبراهيم. وقال آخرون: بل ملة إبراهيم حنيفا، بل ملة إبراهيم مخلصا، فالحنيف على قولهم: المخلص دينه لله وحده.

ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي:

واتبع ملة إبرهيم حنيفا

[النساء: 125] يقول: مخلصا. وقال آخرون: بل الحنيفية الإسلام، فكل من ائتم بإبراهيم في ملته فاستقام عليها فهو حنيف. قال أبو جعفر: الحنيف عندي هو الاستقامة على دين إبراهيم واتباعه على ملته. وذلك أن الحنيفية لو كانت حج البيت، لوجب أن يكون الذين كانوا يحجونه في الجاهلية من أهل الشرك كانوا حنفاء، وقد نفى الله أن يكون ذلك تحنفا بقوله:

ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين

[آل عمران: 67] فكذلك القول في الختان لأن الحنيفية لو كانت هي الختان لوجب أن يكون اليهود حنفاء، وقد أخرجهم الله من ذلك بقوله:

ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما

[آل عمران: 67]. فقد صح إذا أن الحنيفية ليست الختان وحده، ولا حج البيت وحده، ولكنه هو ما وصفنا من الاستقامة على ملة إبراهيم واتباعه عليها والائتمام به فيها. فإن قال قائل: فكيف أضيف «الحنيفية» إلى إبراهيم وأتباعه على ملته خاصة دون سائر الأنبياء قبله وأتباعهم؟ قيل: إن كل من كان قبل إبراهيم من الأنبياء كان حنيفا متبعا طاعة الله، ولكن الله تعالى ذكره لم يجعل أحدا منهم إماما لمن بعده من عباده إلى قيام الساعة، كالذي فعل من ذلك بإبراهيم، فجعله إماما فيما بينه من مناسك الحج والختان، وغير ذلك من شرائع الإسلام، تعبدا به أبدا إلى قيام الساعة، وجعل ما سن من ذلك علما مميزا بين مؤمني عباده وكفارهم والمطيع منهم له والعاصي، فسمي الحنيف من الناس حنيفا باتباعه ملته واستقامته على هديه ومنهاجه، وسمي الضال عن ملته بسائر أسماء الملل، فقيل: يهودي ونصراني ومجوسي، وغير ذلك من صنوف الملل. وأما قوله: { وما كان من المشركين } يقول: إنه لم يكن ممن يدين بعبادة الأوثان والأصنام، ولا كان من اليهود، ولا من النصارى، بل كان حنيفا مسلما.

Bog aan la aqoon