Jamic Bayan
جامع البيان في تفسير القرآن
وإلا فأذنيني بانصرام
يعني فأعلميني. ومنه قوله جل ثناؤه: { فأذنوا بحرب من الله } وهذا هو معنى الآية، كأنه قال جل ثناؤه: { وما هم بضارين } بالذي تعلموا من الملكين من أحد إلا بعلم الله. يعني بالذي سبق له في علم الله أنه يضره. كما: حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان في قوله: { وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله } قال: بقضاء الله. القول في تأويل قوله تعالى: { ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم }. يعني بذلك جل ثناؤه: { ويتعلمون } أي الناس الذين يتعلمون من الملكين، ما أنزل عليهما من المعنى الذي يفرقون به بين المرء وزوجه، يتعلمون منهما السحر الذي يضرهم في دينهم ولا ينفعهم في معادهم. فأما في العاجل في الدنيا، فإنهم قد كانوا يكسبون به ويصيبون به معاشا. القول في تأويل قوله تعالى: { ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق }. يعني بقوله جل ثناؤه: { ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق } الفريق الذين لما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم، نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } فقال جل ثناؤه: لقد علم النابذون من يهود بني إسرائيل كتابي وراء ظهورهم تجاهلا منهم، التاركون العمل بما فيه، من اتباعك يا محمد واتباع ما جئت به، بعد إنزالي إليك كتابي مصدقا لما معهم، وبعد إرسالك إليهم بالإقرار بما معهم وما في أيديهم، المؤثرون عليه اتباع السحر الذي تلته الشياطين على عهد سليمان، والذي أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت لمن اشترى السحر بكتابي الذي أنزلته على رسولي فآثره عليه ماله في الآخرة من خلاق. كما: حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: { ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق } يقول: قد علم ذلك أهل الكتاب في عهد الله إليهم أن الساحر لا خلاق له عند الله يوم القيامة. حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق } يعني اليهود، يقول: لقد علمت اليهود أن من تعلمه أو اختاره ما له في الآخرة من خلاق.
وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق } لمن اشترى ما يفرق به بين المرء وزوجه. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: { ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق } قال: قد علمت يهود أن في كتاب الله في التوراة أن من اشترى السحر وترك دين الله ما له في الآخرة من خلاق، فالنار مثواه ومأواه. وأما قوله: { لمن اشتراه } فإن «من» في موضع رفع، وليس قوله: { ولقد علموا } بعامل فيها لأن قوله: { علموا } بمعنى اليمين فلذلك كانت في موضع رفع، لأن الكلام بمعنى: والله لمن اشترى السحر ما له في الآخرة من خلاق. ولكون قوله: { قد علموا } بمعنى اليمين حققت بلام اليمين، فقيل: { لمن اشتراه } كما يقال: أقسم لمن قام خير ممن قعد، وكما يقال: قد علمت لعمرو خير من أبيك. وأما «من» فهو حرف جزاء. وإنما قيل «اشتراه» ولم يقل «يشتروه»، لدخول لام القسم على «من»، ومن شأن العرب إذا أحدثت على حرف الجزاء لام القسم أن لا ينطقوا في الفعل معه إلا ب«فعل» دون «يفعل» إلا قليلا كراهية أن يحدثوا على الجزاء حادثا وهو مجزوم، كما قال الله جل ثناؤه: { لئن أخرجوا لا يخرجون معهم } وقد يجوز إظهار فعله بعده على «يفعل» مجزوما، كما قال الشاعر:
لئن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم
ليعلم ربي أن بيتي واسع
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: { ما له في الآخرة من خلاق } فقال بعضهم: الخلاق في هذا الموضع: النصيب. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { ما له في الآخرة من خلاق } يقول: من نصيب. حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { ما له في الآخرة من خلاق } من نصيب. حدثني المثنى، قال: حدثني إسحاق، قال: ثنا وكيع، قال سفيان: سمعنا في: { وما له في الآخرة من خلاق } أنه ما له في الآخرة من نصيب. وقال بعضهم: الخلاق ههنا: الحجة. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: { وما له في الآخرة من خلاق } قال: ليس له في الآخرة حجة. وقال آخرون: الخلاق: الدين. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: قال الحسن: { ما له في الآخرة من خلاق } قال: ليس له دين.
وقال آخرون: الخلاق ههنا: القوام. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج: قال ابن عباس: { ما له في الآخرة من خلاق } قال: قوام. وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: معنى الخلاق في هذا الموضع: النصيب وذلك أن ذلك معناه في كلام العرب. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:
" ليؤيدن الله هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم "
يعني لا نصيب لهم ولا حظ في الإسلام والدين. ومنه قول أمية بن أبي الصلت:
يدعون بالويل فيها لا خلاق لهم
Bog aan la aqoon