فإن قال: فهل شاهدتم فعلا إلا جسما؟
قيل له: لم نشاهد فعلا إلا جسما، ولم يكن فعالا؛ لأنه جسم؛ لأنا قد وجدنا جسما غير فعال، فدلنا ذلك أن الفعال لم يكن فعالا؛ لأنه جسم، ولا للجسمية التي فيه، إذا كانت الجسمية فيما هو فعال، وفيما يستحيل أن يكون فعالا.
فإن قال: فهل شاهدتم فعالا ليس بجسم؟
قيل له: نحن وإن لم نشاهد فعالا ليس بجسم، فقد دلنا الدليل أن الفعال لم يكن فعالا من أجل أنه جسم، ولو كان كذلك لم يكن جسما إلا والفعل صحيح منه، كما أنه لما كان فعالا من أجل أنه حي قادر، فلا حي قادر إلا وقد صح أن يكون فعالا، ولا يجب ذلك في الجسم؛ لأن الموات والجماد أجسام، ولا يصح منه الفعل.
فإن قال: إذا نفيتم أن يكون جسما؛ لأنكم لم تشاهدوا جسما إلا بما /21/ وصفتم من الهيئات، فانفوا أن يكون شيئا؛ لأنكم لم تشاهدوا شيئا إلا محدثا؟
قلنا له: قد أخبرناك أن الشيء قد يعم الأجناس المختلفة كلها، والجسم إنما هو لخاصة هذه الهيئات من الطول والعرض، والعمق، والحركة والسكون، والافتراق والاجتماع، وليس لأحد أن يسمي الله باسم لم يسم به نفسه.
فإن قال: قد اجتمعت الأمة أن الجسم محدود، واختلفوا فيما ليس بجسم، فثبته قوم ونفاه آخرون، فوجب أن يكون القديم إذا كان مثبتا داخلا في باب ما اجتمعوا عليه؟
قيل له: وقد اجتمعت الأمة على أن المؤلف جسم، واختلفوا فيما ليس بمؤلف أن يكون جسما، فوجب أن يدخل القديم إذا كان مثبتا في باب ما لم يختلفوا فيه، وإلا كان دليلكم ساقطا على ألسنتكم.
ويقال لمن ثبت لله جسما باقيا لا متحركا ولا ساكنا، فإن زعم ذلك وادعى ما يكذبه الجنس.
فإن قال: لم نشاهد إلا جسما متحركا أو ساكنا؟
قيل له: فيثبت معبودك كذلك.
Bogga 29