وَاعْلَم أَن مَادَّة هَذِه الوساوس عجب الانسان بعقله وَعلمه وظنه أَنه إِذا لم يعرف شَيْئا فَهُوَ بَاطِل فاعرف أَنَّك كَمَا قَالَ أصدق الْقَائِلين فِي صفة الانسان ﴿إِنَّه كَانَ ظلوما جهولا﴾ وَيدل على هَذَا من الْمَعْقُول مَعَ الْمَنْقُول أَمْرَانِ أَحدهمَا أَن الانسان يُؤثر هَوَاهُ فِي الاقبال على دَار الفناء وعَلى شهواتها الضارة الْمضرَّة فِي العاجلة الْمُشَاهدَة وَيقدم الْمَرْجُوح على الرَّاجِح قطعا ويتحمل من الْأَمَانَات الَّتِي هُوَ فِي تحملهَا مُخْتَار مَا يدل على صِحَة مَا رُوِيَ من تحمل آدم ﵇ لأصلها وجميعها مثل الدُّخُول فِي الدُّيُون والضمانات والحقوق الزَّوْجِيَّة وَغَيرهَا وَحُقُوق المخالطة وَالْفرق بَين الْأَحْكَام عِنْد الرِّضَا وَالْغَضَب والغنى والفقر والامان وَالْخَوْف وَبِذَلِك يعرف الفطين من طبع نَفسه الظُّلم وَجحد الْحق عِنْد رُجْحَان الدَّاعِي إِلَى ذَلِك وَلذَلِك يُوجد الْبُخْل من بعض الاجواد فِي الاحوال وَالْكذب من بعض الصَّادِقين كَذَلِك قَالَ صَالح ﵇ ﴿يَا قوم لقد أبلغتكم رِسَالَة رَبِّي وَنَصَحْت لكم وَلَكِن لَا تحبون الناصحين﴾ فَبين أَن الصَّارِف لَهُم الْهوى الْمَحْض لَا الشُّبْهَة
وَمن هُنَا نقم الله على الْكفَّار أَنهم آمنُوا بِالْبَاطِلِ فَلَو كَانَ كفرهم بِالْحَقِّ الَّذِي هُوَ الله وَكتبه وَرُسُله من أجل الشُّبْهَة لكانوا لعبادة الْحِجَارَة وَغَيرهَا أَشد كفرا وَذَلِكَ بَين فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَالَّذين آمنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفرُوا بِاللَّه أُولَئِكَ هم الخاسرون﴾ وَنَحْوهَا قَوْله فِي قصَّة الْخَلِيل ﵇ ﴿وحاجه قومه قَالَ أتحاجوني فِي الله وَقد هدان وَلَا أَخَاف مَا تشركون بِهِ إِلَّا أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئا وسع رَبِّي كل شَيْء علما أَفلا تتذكرون وَكَيف أَخَاف مَا أشركتم وَلَا تخافون أَنكُمْ أشركتم بِاللَّه مَا لم ينزل بِهِ عَلَيْكُم سُلْطَانا فَأَي الْفَرِيقَيْنِ أَحَق بالأمن إِن كُنْتُم تعلمُونَ الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم أُولَئِكَ لَهُم الْأَمْن وهم مهتدون وَتلك حجتنا آتيناها إِبْرَاهِيم على قومه نرفع دَرَجَات من نشَاء إِن رَبك حَكِيم عليم﴾ فَبين الْخَلِيل لَهُم أَن خوفهم وتخويفهم
1 / 62