إِذا جمد لَا يكون على صفة الْبرد أبدا فتأتي هَذِه الامطار فتعم الأَرْض سهولها ووعورها وشعابها وشعافها لينبت العشب الْكثير للنعام وَسَائِر الْهَوَام وتسقي المزروع وتنبت الاشجار والفواكه والازهار وَالثِّمَار وتمد الْبحار والأنهار والآبار ثمَّ مَا فِي اخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار والفصول والاحوال وَقد جمع الله تَعَالَى ذَلِك فِي قَوْله ﴿إِن فِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار والفلك الَّتِي تجْرِي فِي الْبَحْر بِمَا ينفع النَّاس وَمَا أنزل الله من السَّمَاء من مَاء فأحيا بِهِ الأَرْض بعد مَوتهَا﴾ إِلَى قَوْله ﴿لآيَات لقوم يعْقلُونَ﴾ فالفكر فِي هَذِه الْأُمُور هُوَ النّظر الْمَأْمُور بِهِ وعَلى ذَلِك درج السّلف من غير تَرْتِيب الْمُقدمَات على قانون أهل الْمنطق بل قد شهد كتاب الله على أَن ذَلِك يُفِيد الْبَيَان حَيْثُ قَالَ ﴿سنريهم آيَاتنَا فِي الْآفَاق وَفِي أنفسهم حَتَّى يتَبَيَّن لَهُم أَنه الْحق﴾ ثمَّ توعد من زعم أَن ذَلِك لم يفده بَيَانا بقوله ﴿أولم يكف بِرَبِّك أَنه على كل شَيْء شَهِيد﴾ وعَلى هَذَا قَالَ الشَّيْخ مُخْتَار بن مَحْمُود فِي كِتَابه الْمُجْتَبى فِي آخر مَا قيل فِي حقائق النّظر أَنه تَجْرِيد الْفِكر عَن الغفلات وَحكى عَن شَيْخه مَحْمُود بن الملاحي أَنه لَا يشْتَرط فِي الْعلم بِاللَّه أَن يبتني على الْمُقدمَات المنطقيات والأساليب النظريات وَكَيف يُنكر هَذَا أَو يستبعد وَقد حكى الله عَن الهدهد وَهُوَ من الْعَالم البهيمي أَنه وحد الله وَاحْتج على صِحَة توحيده بِهَذَا الدَّلِيل الْمَذْكُور فِي الْآفَاق قَالَ الله سُبْحَانَهُ حاكيا عَنهُ ﴿أَلا يسجدوا لله الَّذِي يخرج الخبء فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ يَعْنِي الْمَطَر والنبات فاحتج بحدوث هذَيْن الْأَمريْنِ العجيبين الْمَعْلُوم حدوثهما مَعَ تكررهما بِحَسب حَاجَة الْجَمِيع إِلَيْهِمَا وَكَذَلِكَ قيل لبَعض الاعراب بِمَ عرفت رَبك فَقَالَ البعرة تدل على الْبَعِير وآثار الخطا تدل على الْمسير فسماء ذَات أبراج وَأَرْض ذَات فجاج كَيفَ لَا تدل على الْعلي الْكَبِير وَقد أشارت الرُّسُل ﵈ إِلَى هَذَا الْمَعْنى فِي قَوْله تَعَالَى ﴿قَالَت رسلهم أَفِي الله شكّ فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾
1 / 52