Islam Sharikan
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
Noocyada
وأول هذه العناصر هو عقيدة التوحيد الصارمة التي نشأ عنها النزوع الأساسي في الإسلام إلى الوحدة والعالمية الشاملة، وهو عنصر متكامل مع جوهر الإسلام نفسه بوصفه الدين الذي جاء معه بشريعة تنظم كل أعمال الإنسان المؤمن وتحدد بذلك علاقته بالله.
والجماعة الواحدة ترتبط بالإله الواحد برباط نظام قانوني واحد هو الشريعة التي يفترض في الخليفة وفي الدولة الدينية المثالية أن يحافظا عليها. هذه الدولة - كما سبق القول - تمثل التجسيد الدنيوي للدين الإسلامي. والواقع أنه لم يكن أمام العصر الإسلامي المبكر - على حد تعبير جب - سوى اختيار أحد البديلين: فإما الدولة التي تحتكر السلطة، وإما الفوضى والاضطراب.
44
ومن ثم كان أي تهديد لدولة الخلافة تهديدا مباشرا للدين. وإزاء هذا الموقف رأى الكثيرون من أهل الورع أن من الضروري تحمل كل شيء لتجنب مثل ذلك الخطر المهدد. وهذا الموقف مع موقف الأتقياء من أهل الورع الذي ترتب عليه، قد تعاونا معا في الحيلولة دون التوصل من الناحية العملية إلى تقسيم السلطات والفصل بينها، كما أنهما قد حالا في وقت لاحق دون إقامة مؤسسات أو تنظيمات مستقلة بجانب دولة الخلافة، أو حتى الاعتراف بالتنظيمات المحلية وما شابهها من منظمات كانت قائمة بالفعل، وكان من الممكن أن تصبح نقط انطلاق مهمة لتكوين بناء سياسي فعال.
45
بيد أن التأثير الأعظم على الموقف السياسي للمسلم يأتي من فكرة القوة في الإسلام.
46
فالله هو القادر على كل شيء، والإنسان يسلم له أمره كله لعلمه أن كل شيء من عنده. ولهذا لا يحتاج إلى التفرقة بين القوة والسلطة؛ من يملك القوة يملكها بإرادة الله، ومن ثم فهو يملك السلطة أيضا، والقوة هي علامة ودليل على السلطة. ربما يذكرنا هذا إلى حد ما بفكرة السلطة عند مارتن لوثر. ولكن المسيحية تفصل بين الدنيا والدين، أي إن المسيحي يمكنه أن يفهم بسهولة أن السلطة الدنيوية ظالمة، وذلك على الرغم من أن السلطة - كسلطة - إنما ترجع لإرادة الله ومشيئته. أما الإسلام فإنه يتدخل في العالم ويريد أن يتحقق فيه سياسيا، ولهذا يعتبر المسلم أن الدولة والدين شيء واحد، أو ينبغي أن يكونا كذلك. وحين لا يجد مفرا من اعتبار السلطة ظالمة، فلا بد أن يبدو نظام العالم في نظره شديد الاضطراب. وهكذا يدفعه هذا الموقف إلى البحث عن تبرير لوجود السلطة لأطول مدة ممكنة.
لا شك في أن العرض السابق لموقف الإسلام «الكلاسيكي» من السلطة قد لحقته تغييرات كثيرة على مر التاريخ، ولكنه لا يزال يحتفظ بأهميته ومعناه بالنسبة للعالم الإسلامي المعاصر. وهو على أي حال يبين لماذا تنظر الجماهير المرتبطة بالتراث في العالم الإسلامي إلى الدولة نظرتها إلى سلطة أبوية في بعض الأحيان، أو إلى قوة معادية في أحيان أخرى، وذلك دون أن ترى بصيص أمل في قدرتها على تغييرها. وربما يفسر العرض السابق أيضا لماذا تخضع هذه الجماهير للدولة على الرغم من أنها لا تلبي مصالحهم، ولماذا يقابلون الثورات والانقلابات بعدم اكتراث. ونرجو من هذه الناحية أن يلقي البحث شيئا من الضوء على تركيب الدول الحديثة في الشرق الإسلامي، وربما يساعد أيضا على فهم مشكلة هذا التركيب والأسباب التي جعلته شديد التعقيد والصعوبة.
المصادر والمراجع
Bog aan la aqoon