وقد أجمعت الأمة على أن وسائل الفساد على ثلاثة أقسام: قسم متفق على منعه، وقسم متفق على جوازه، وقسم مختلف فيه. فالمتفق على منعه كسب الصنم عند عابديه الذين يسبون الله عند سبه، وكحفر الآبار في طرق المسلمين، وإلقاء السم في أطعمتهم، لأن في هذين وسيلة إلى إهلاك المسلمين، فهذه الوسائل الثلاثة محرمة إجماعا. والقسم المتفق على جوازه كغرس شجر العنب مع أنه وسيلة إلى عصر الخمر منها، وكالشركة في سكنى الدور مع أنها وسيلة إلى الزنا، فإن هاتين الوسيلتين جائزتان إجماعا. والقسم المختلف فيه لم يمنعه إلا مالك كبيوع الآجال فإنها وسيلة إلى الربا، ولم يمنعها إلا مالك، وكدعوى الأمة فإن مالكا منع توجيه اليمين فيها على المدعى عليه بمجردها، وأما دعوى المال فيتوجه اليمين على المدعى عليه بمجردها؛ قال في التنقيح: واعلم أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها ويندب ويكره ويباح، فإن الذريعة هي الوسيلة، فكما أن وسيلة المحرم محرمة فكذلك وسيلة الواجب واجبة كالسعي إلى الجمعة والحج.
وموارد الأحكام على قسمين: مقاصد وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في نفسها، ووسائل وهي الطرق المفضية إليها، وحكمها حكم ما أفضت إليه من تحليل وتحريم غير أنها أخفض رتبة من المقاصد في حكمها، فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل، وإلى أقبح المقاصد هي أقبح الوسائل، وإلى ما يتوسط متوسطة، ويدل على اعتبار الوسائل قوله تعالى { ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا مخمصة } إلى قوله { إلا كتب لهم به عمل صالح } فأثابهم الله على الظمأ والنصب وإن لم يكونا من فعلهم لأنهما حصلا بسبب التوسل إلى الجهاد الذي هو وسيلة إلى إعزاز الدين وصون المسلمين باستعداد وسيلة الوسيلة.
Bogga 21