وقال الأبياري: إن الاستحسان هو الأخذ بالمصلحة الجزئية الكائنة في مقابلة دليل كلي، كما إذا اختار بعض ورثة المشتري بالخيار الرد، واختار بعضهم الإمضاء، فالقياس الكلي رد الجميع لأنهم ورثوا عنه الخيار وفي تبعيضه دخول الضرر على البائع، والمصلحة الجزئية أخذ المجيز الجميع؛ وإنما استحسن الأخذ بها وتقديمها على القياس الكلي لأن فيه ارتكابا لأخف الضررين، لأن المجيز تعارض له ضرران أحدهما رد الجميع فيفوته غرضه من المبيع بالكلية، والثاني أخذه بجميع المبيع وليس غرضه إلا في بعضه، وهذا أخف، لأن ضرر أخذ الإنسان لما لا غرض فيه أخف من ضرر فوات غرضه بالكلية. ومعنى كون رد الجميع هو القياس الكلي أن البائع باع متاعه جملة، فالقياس إذا رد إليه بعضه أن يرد إليه جميعه، لأن في رد البعض إليه ضررا به.
وقال أشهب: إن الاستحسان هو تخصيص الدليل العام بالعادة لمصلحة الناس في ذلك، كاستحسان دخول الحمام من غير تعيين بزمن المكث وقدر الماء، مع أن الدليل الشرعي العام يمنع ذلك، لأنه داخل في القدر المنهي عنه في الحديث للجهل بالثمن وهو الماء ومقدار المكث. وكذا شراء الشرب من القربة من غير تعيين قدره لأنه قدر يسير معفو عنه استحسانا؛ وإنما استحسن جواز هذين الأمرين لأن المكايسة فيهما بتعين قدر الماء المغتسل به وقدر المكث في الحمام في الأولى، وقدر الماء المشروب في الثانية قبيحة عادة. وهو على هذا التفسير مختلف فيه، والصحيح رده لأن تلك العادة إن كانت في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقرها فهو ثابت بالسنة، وإن كانت في زمن المجتهدين ولم ينكروها فهو إجماع سكوتي، وإلا فهي مردودة إجماعا.
وسد أبواب ذرائع الفساد ... - ... فمالك له على ذه اعتماد
يعني أن سد أبواب الوسائل إلى الفساد من أدلة مالك التي يحتج بها في الشرعيات ويعتمد عليها، فمتى كان الفعل السالم من المفسدة وسيلة إلى مفسدة منعنا منه، وهذا خاص بمذهب مالك.
Bogga 20