وانفكاك إخوانكم؛ فكأنكم بالدنيا لم تكونوا، وبالآخرة لم تزولوا، وكأن كل واحد به ملك الموت قد نزل، فندم على ما جمع، وانقطع له من نيل آماله الطمع، وفي حفرته تبدو له ثمرة ما زرع؛ ترك ذلك لمن بعده، وقد كان يظن أنه عنده من أعظم عدة، فقد أخطأ المسكين؛ أَمَا كان عليه شِبْه أمين؟!، بل العدَّة ما قدَّم منه أمامه؛ فيكون له أعظم ذخيرة يوم القيامة، ولا يغرَّنكم الشيطان، بتخويفه إيَّاكم الفقر على الأهل والولدان؛ فرزق كل ذي روح مقسوم، وما جرى به القلم محتوم، قال الله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ [هود: ٦].
أفلا تنظرون إلى رفق الله جلَّ وعلا بمن بقي بعد والديه، كيف يقلِّب له القلوب، فكل أحدٍ يجد رأفة في قلبه عليه. فحسِّنوا ظنكم بمولاكم، واشكروه على ما أولاكم، ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ﴾ [الحج: ٧٨]، وخالفوا الشيطان الذي بحبل غروره دلاَّكم، ولا تبخلوا؛ فالبخل أهلكَ مَنْ كان قبلكم، وتصدَّقوا؛ فالصدقة تزكَّي أعمالكم.
قال الله ﵎: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٦١].
وقال الضحَّاك في تفسير هذه الآية: مَنْ أخرج درهمًا من ماله ابتغاء مرضاة الله، فله في الدنيا بكل درهم سبعمائة درهم خَلَفًا عاجلًا، وألف ألف درهم يوم القيامة.
وقال عزَّ من قائل: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٦٢)﴾ [البقرة: ٢٦٢]
1 / 31