[آداب العالم]
فإن تكن عالما فآداب العالم كثرة الصبر، وسعة الصدر، وتدرع الحلم مع العلم، وترك الحسد والوغر(1)، والاحتراس من الضيق والضجر، وإيثار التواضع، ومجانبة الحرص والمطامع، والتدرب بما يسر السامع، من غير إيغال في الكلام، ولا تقصير عن المرام، حسن البيان كثير الإحسان، منتدب لتعليم كل إنسان، مع رفق ولين بالمتعلم المستفيد، وتأن كثير بالمتعجرف العنيف، وإصلاح البليد، وحسن إرشاد القريب والبعيد، وحذف الأنفة من قول لا أدري فيما لا تعلم، فإنه أشرف من ظهور الجهل وأسلم، والتسهيل لطرق التدريس، والإقبال على الجليس، واجتناب المهازلة والمداعبة، وعند المناظرة يكون الكلام مناوبة لا مناهبة، وحسن الإصغاء إلى السائل، والتأني في جواب المسائل، والميل عن القضاء، والإحالة على غيره في الفتوى، إلا حيث يتعين عليه، أو يتوهم فيه ما ليس فيه، والمساواة بين المتعلمين في الظاهر، وإن فاضل بينهم في الباطن بحسب اختلاف منازلهم، فإن منهم الفطن والقابل للدقائق، والبليد المنحط عن درك الحقائق، فيجب أن يعطي كل منهم على قدر احتماله، من غير إظهار لما يوقع الظغن(2) والأحقاد، ولا استعداد، لما يهيج حسد الحساد ؛ فإن هذا القبيل يكثر في أهل المدارس، ولا يسلم منه إلا الندب(3) الممارس، وينبغي أن يكون متنزها عن الأسواء، مؤاخذا لنفسه بالتقوى ؛ فإن المتعلم يأخذ عنه عمله كما يأخذ عنه علمه، وربما كشف حاله، وزرى عليه أفعاله، فيكون ذلك بسبب الإسقاط لمنزلته، والتهاون بحالته، ولا يغضب أن يدرس على غيره، فيستدل بذلك على قلة خيره، ولا يصاحب الفسقة، ولا يداهن الظلمة فإنه يقتدى به في أفعاله، ويجعل ذلك من جملة مذاهبه وأقواله.
وعلى الجملة فالعلماء ورثة الأنبياء، فما عرف أنه يجب أن يتجنبه الأنبياء فليحترس بذلك في العلماء.
Bogga 160