الادعاء باختلاف الأساس بين التعاليم المكية والمدنية في القرآن:
ورغبة في عدم الوقوف عند هذه المعارضة العامة ضد الحرب وتعدد الزوجات، أراد بعض المستشرقين أن يتوغلوا أكثر ببحثهم في نصوص القرآن. فاعتقدوا أنهم وجدوا اختلافا جذريا بين تعاليم القرآن في الفترة المكية وتعاليمه في الفترة المدنية. ففي مكة مثلا كانت الأساطير اليهودية والمسيحية في حالة تخطيط أولى (^١). ولما اتصل محمد ﷺ في المدينة باليهود استطاع أن «يألف قصص إبراهيم ﵇، وعلاقات الأنساب بين إسماعيل ﵇ والشعب العربي» (^٢) ولقد «عاش في البداية وهو يسيطر عليه وهم جميل، بأن دعوته أي القرآن، تتفق تماما مع كتب اليهود والمسيحيين المقدسة ولكن معارضة اليهود المريرة أثبتت له العكس» (^٣). وكانت الصلاة في البداية مرتين في اليوم والليلة؛ أما في المدينة فقد أضيفت إليها صلاة ثالثة هي صلاة العصر «وواضح أن القصد من ذلك كان محاكاة اليهود» (^٤). «ولنفس السبب شرع يوم عاشوراء؛ وتحولت القبلة إلى بيت المقدس» (^٥)، وهما إجراءان تم نسخهما فيما بعد بسبب موقف اليهود العدائي من الإسلام (^٦). وهكذا يتأثر التشريع التعبدي بالتقلبات السياسية (^٧)، وحتى فكرة القرآن عن الله طرأ عليها تغيير من تأثير المواقف الحربية في الفترة المدنية «فانضمت صفة القوة والجبروت ضد الكفار المعاندين إلى صفة