Bani'aadam ka soo jeeda Lubnaan
قصة إنسان من لبنان
Noocyada
عندما كان يضايق أمه كانت هذه تشتمه مرسلة عليه اللعنات، ثم تقول له: «انظر ابن جارنا سليما فهو كالملائكة، نكاد لا نسمع له صوتا ولا نرى له وجها، يقضي أوقاته بالدرس والرسم، وأنت تلعب وتلهو وتملأ الدنيا صراخا وشتائم! تعلم من سليم الهدوء والاجتهاد وحسن السلوك.» ولكن ولدها - وكان يدعى معروفا - يجيبها: «حطي بالخرج، اجتهاد تربية وعقل؟ بكرة منشوف مين منا بصير له قدر وقيمة، ومن منا بصير معه فلوس ويملك البنايات!»
إن معروفا عندما كان يتكلم كان كمن يقرأ في لوح الغيب، رغم أن والدته كانت تلعنه وتقول له: «يا لك من أهبل مجنون، إن نهايتك ستكون مظلمة كوجهك!»
وكانت أم معروف ألحقت ابنها بالكتاب مع سليم، ولكنه كان يفر منه ليذهب إلى شاطئ البحر أو على الرمل يقضي يومه مع أمثاله من الصبية المتشردين، ويعود المساء إلى البيت ملوث الثياب ممزقها، فكانت والدته تنزل به القصاص الصارم، فيتعالى صراخه الذي يملأ الحي ويزعج الجيران، ولكن هذا القصاص ما كان ليؤثر بمعروف الذي امتاز بجلد سميك وشعور قليل يختلفان عن البشر، والطريف هو مشهد صباح ذهابه للكتاب.
كان والده جزارا، وهو مضطر للذهاب باكرا للمسلخ؛ لذلك كان من نصيب أمه أن تحمله حملا للمدرسة، والأصح كانت تجره إليها وتضربه حتى تصل به للكتاب القريب من البيت.
كان الناس يتجمعون لمشاهدته على هذه الصورة المزرية المضحكة معا، فمن يشاهده يظن أنه يقاد إلى المقصلة أو إلى الجلاد.
وبعد الظهر عند انتهاء الكتاب، كان رغم هربه منه كسولا لا يحسن تهجئة الحرف أو لفظه، ولكنه كان في إرسال الشتائم والكلام البذيء أبلغ من قس، لذلك كان المعلم يهيئ له احتفالا يليق بقلة اجتهاده وخلقه.
كان حسب عادة العصر، يحضر له عقدا من «قباقيب» الأولاد، ثم يضعه في رقبته ويلبسه على رأسه «قبوعة» مزخرفة تثير الضحك، ثم يعد ولدين من الأقوياء يشدان على رجليه الآلة المعروفة «الفلق»، ثم يتقدم الأستاذ وينزل به ما فيه النصيب من ضرب العصي.
وعند خروج التلامذة من الكتاب، يأتي المعلم بمعروف ويوقفه أمام الباب، ويطلب من كل ولد أن يصفعه كفا على قفاه، على سبيل التحية والوداع.
وبالطبع فالأولاد كانوا يتبارون بهذه العملية المحببة إلى نفوسهم، أما معروف فما كانت كل هذه الحفلات التكريمية لتؤثر بقليل أو كثير على إحساسه وكرامته، فكان كلما سنحت له الفرصة للفرار من الكتاب اغتنمها، وراح مع أمثاله من الأشقياء يعبث هنا وهناك.
وبعد مضي سنوات ترك الكتاب، وكبر فصار يرتاد المقاهي وغيرها من أماكن اللهو والشقاوة. وفي هذه المدة كان سليم قد انتقل إلى مدرسة جديدة وجو جديد، عرف به مديرها الراقي، وعرف ما في نفس سليم من استعداد وما عنده من مواهب، لذلك كان الميدان للصبي أفسح من الكتاب حيث كان أولا، ولهذا بدأت تتبلور مواهبه، وتظهر بشكل أوضح من قبل، وبات مشهورا في بعض الأوساط بميله الفني على رغم حداثته. وما كانت هذه الشهرة إلا لتزيد في كثرة معارضيه المتهجمين عليه، وتزيد في اضطهادهم له. فأمه في البيت تضع العثرات في سبيله، وتمزق كل ورقة تراها بين يديه، وفي المدرسة كان معظم المعلمين يضايقونه، ويعدون عليه أنفاسه، وفي الطريق كان جماعة المشايخ والمتطفلين على الدين يوقفونه ويهددونه بنار جهنم وعذاب الآخرة، وهو لا يزال صغيرا لا يفهم من أمر الآخرة ونار جهنم شيئا، إنه طفل بريء وهبته العناية حب الجمال والشعور به، يعكسه بسذاجة وبراءة على وريقاته، هذا كل ما في الأمر.
Bog aan la aqoon