واختلفوا في: الأعمى، والمقعد، وأقطع اليدين؛ لاختلافهما: هل يتمكن لهم نوعٌ من أنواع القتال: كإدارة الرأي إن كانوا من أهل المعرفة والدَّهاء في الحرب، وقتال المقعد راكبًا، والأعمى يُناول النبلَ، ونحو ذلك، ويُكثِّرون السواد؟ فمن رأى لمثل ذلك أثرًا في استحقاق الغنيمة أسهم له، ومن لم يَرَه؛ منعَ (١) .
وأمَّا من كان به مرض يُرجى زواله، فله ثلاثة أحوال: إما أن يخرج مريضًا، وإما أن يمرض بعد الإدراب، وقبل حضور القتال، وإما أن يمرض بعد القتال.
فأمَّا الذي يخرج مريضًا، فعند المالكية فيه خلاف: هل يُسهم له، أو لا يُسهم له؟ قال اللخْمي: أرى أن لا شيء له، إلا أن يُقْتدى برأيه، فرُبَّ رأيٍ أنفعُ من قتالٍ (٢) .
وكذلك اختلف فيه إذا مرض بعد الإدراب: وهو أن يُفارق أرض الإسلام، ويدخل في بلاد الكفر وحوزتهم، والقول في هذا، أنه يُسهم له: أكثر عندهم وأقرب.
ولم يختلفوا أن من مرض بعد القتال يُسهم له، وإن كان مرضه قبل حوز الغنيمة، وهذا صحيح؛ لما نذكره بعدُ في (فصل: الأفعال التي يُستحق بها
= حتى انقضت (أي الحرب)، فله سهمه» .
وقال (ص ٦١٢): ولذلك قلنا: إنَّ المريض يسهم له؛ لأنه قد شهد الوقعة، وحصل منه التكثير، وقيل في قوله -تعالى-: ﴿وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا﴾ [آل عمران: ١٦٧]، أي: كَثِّروا.
(١) انظر: «المعونة» (١/٦١٢)، «جامع الأمهات» (ص ٢٥٠)، «التلقين» (١/٢٤٢)، «النوادر والزيادات» (٣/١٦٨)، «الفواكه الدواني» للشيخ أحمد بن غنيم النفراوي المالكي (١/٤٧١) .
(٢) قال القاضي عبد الوهاب في «التلقين» (١/٢٤٢): «يسهم لمن حضر من صحيحٍ ومريضٍ، قاتل أو لم يُقاتل، قاتل في أولهما، أو بقي إلى انقضائها» .
وقال في «الرسالة»: «ويسهم للمريض، وللفرس الرَّهيص -أي المريض- ...» . انظر: «الفواكه الدواني» (١/٤٧١)، «النوادر والزيادات» (٣/١٥٨، ١٥٩) .
وروي عن أشهب، وابن نافع، أنه: لا يُسهم له.