وكان من مخالفته إيَّاه ما حُدِّثنا به عن أبي مِخْنَف، قال: كان الخِرِّيت بن راشد السامي مع عليٍّ، ﵇، في ثلثمائة من بني ناجية، شهد معه الجمل بالبصرة، وشَخَصَ معه إلى صِفِّين، فشهد معه الحرب، فلما حُكِّم الحكمان، مَثَلَ بين يدي عليٍّ، رضوان الله عليه، بالكوفة، فقال له: والله لا أطعتُ أَمرك، ولا صَلَّيتُ خلفك، فقال له عليٍّ، ﵇: ثكَلَتكَ أمَّك، إذن تعصي ربَّك، وتنكث عهدك، ولا تضرُّ إلا نفسك، ولِمَ تفعل ذلك؟ قال: لأنَّك حكَّمت في الكتاب، وضعُفت عن الحق حين جدَّ الجدُّ، وركنت إلى القوم الذين ظلموا، فأنا عليك زارٍ، وعليهم ناقم. فدعاه عليُّ، ﵇، إلى أن يناظره ويفاتحه، فقال: أعود إليك. ثم أتى قومه فأفسدهم، وسار من تحت ليلته من الكوفة.
ولَقيهم رجل مُسلم، يُقال له: زَذَانُ فَرُّوخ، من أهل قرية، يقال لها، نِفَّر، فسألوه عن دينه، فقال: مسلم، ثم سألوه عن عليٍّ. فقال: إمام هُدى. فقطعوه بأسيافهم. ولقوا يهوديًّا، فقال: أنا يهودي، فخَلُّوا سبيله، وقالوا: احفظوا ذِمَّة نَبِيِّكم، وهذا من أعجب ما يكون. فأتبعهم زياد بن خَصَفة، من بني غَنْم الله بن ثَعلبة ابن عُكَابة، من قِبَل عليٍّ، ﵇، في كَثْف من الجُند، فلحقهم بالمدار، وقد أراحوا هناك، فدعا زياد الخِرِّيت لأن يَنْتَبِذَا فيتناظرا، فتنحيا حَجْرَةً مع كل واحد منهما خمسة من أصحابه، فناظره، فلم ينجع فيه القول، فاقتتل الجيشان قتالًا شديدًا، وحال بينهم الليل، وصاروا إلى الأهواز واستضمُّوا أوباشًا من أعْلاج وأكْراد، ولفيف القبائل. وكتب زياد إلى عليٍّ، ﵇، بذلك، فكتب إليه يأمره بالقدوم. وقال مَعْقل بن قَيس الرِّياحي، فقال: أصلح الله أمير المؤمنين، إنَّ لقاءَنا هؤلاء القوم بأعدادهم إبقاء عليهم، والوجه أن تبعث من كل رجل عشرة من المسلمين ليجتاحوهم، فأمره بالشُّخوص، وبَدَرَ معه أهل الكوفة ألفان، فيهم: يزيد بن المُغَفَّل الأَزْدي. وكتب إلى ابن عباس أن يُشْخِص جيشًا إلى الأهواز ليوافوا مَعْقِلًا بها وينضمُّوا إليه، فوجَّه إليه خالد بن مَعْدان الطائي في ألفي رجل من أهل البصرة، فلَحِقوا به، فلما وافَوْا مَعْقلا نهض لمحاربة الخِرِّيت، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وقُتل الناجيُّون، وولُّوا منهزمين، حتى لحقوا بأسياف البحر، وبها جماعة من قومهم، بني سامة بن لؤيّ بن عبد القيس، فأفسدهم الخِرِّيت على عليٍّ، ﵇، واستضمَّهم إليه، وكتب عليٍّ، ﵇، إلى أهل الأسياف، يدعوهم إلى الطاعة، وأمر مَعْقِل بن قيس أن ينصب لهم راية أمان، فنصبها، فانفضَّ عن الخِرَّيت عامَّة أصحابه. وكان الخِرِّيت يوهم الخوارج أنه على رأيهم، ويوهم العثمانيَّة أنه يطلب بدم عثمان.
ثم أن مَعْقِلًا عَبَّأَ أصحابه، وأنشب الحرب، فصبر أصحاب الخِرِّيت ساعة، وحمل النُّعمان بن صُهبان الرَّاسبي " وقيل: الجَرْمي " عليه، فعاركه ساعة ثم قتله، وانفضَّ جمعُه. وكتب مَعْقِل إلى عليٍّ، ﵇، كتابا: إِنا نصبنا له راية أمان، فعادت منهم طائفة، وبقيت أخرى، فقاتلناهم، فضرب الله وجوههم، ونَصَرَنَا عليهم، فأَمَّا من كان مسلمًا فمنَنَّا عليه، وأخذنا بيعته، وقبضنا صدقة ماله، وأَمَّا مَن ارتدَّ فإنَّا عرضنا عليه الإسلام، إلاَّ رجلًا واحدًا قتلناه، وأمَّا النَّصَارى فإنَّا سبيناهم وأقبَلنا بهم، ليكونوا نكالا لمن بعدهم من أهل الذمَّة.
وكان مَصقلة بن هُبيرة عاملًا على أَرْدَشِير خُرَّة، من فارس، فمرَّ بهم، وهم خمسمائة إنسان، فصاحوا: يا أبا الفضل، يا فَكَّاك العُنَاة، وحمَّال الأثقال، وغِياث المُعصَّبين، امْنُن علينا، وافْتَدِنا فأَعْتِقنا. فوجَّه مَصقلة إلى مَعْقِل، فاشتراهم منه.
ويقال: ... وانتَظَرَ بالمال، فسلَّم إليه القوم.
وورد على عليٍّ، ﵇، فصوَّبه فيما صنع، وامتنع مَصقلة من البعثة بشيء من المال، وخَلَّى سبيل الأسرى، ثم طولب بالمال طلبًا حثيثًا، فاحتال حتى مضى إلى معاوية. فقال عليٌّ، ﵇: يرحمه الله، فَعل فِعل السيِّد وفرَّ فِرار العبيد.
1 / 24