قال: ثم اصطلحوا فوضع عامر ابنه سعدًا عند يَعْمُر وسعد، وهم الذين يقال لهم: بَنَانة، بحاضنة لهم، ووضع يَعْمُر ابنا له عند سامة ابن لؤي. فشرِب سامة فسَكِر، فمرَّ بالغلام مُهر لسامة، فرماه الغلام فوقَذه، فضربه سامة بالسيف فقتله، وخرج هاربا من عامر أخيه، وقُتل ابن عامر به، فاقتتلت في ذلك الفئتان، وكتب سامة بن لؤيّ إلى قومه:
رُبَّ كأْسٍ شَربتُها ثُمَّ أُخرى ... لَمْ تكُنْ مُرَّةً ولا مُهَرَاقَهْ
وخَرُوس السُّرى تركت رَديًّا ... بعد جِدٍّ وجِدَّةٍ ورشاقَهْ
وفتاةٍ سبيتُ بابنَ لُؤيٍّ ... ذاتِ دَلٍّ كريمةٍ برّاقهْ
أَبلغا عامِرًا وكعبًا رَسُولًا ... أَنَّ نَفْسِي إِليهما مُشتاقَهْ
إِن تكُنْ في عُمانَ داري " فإِنِّي ... غالبيٌّ خرجتُ من غيرِ فاقَهْ "
ورُوي " لنا " عن ابن هاشم النَّحوي أنه " قال ": جاء رجل من ولد سامة إلى رسولا الله، ﷺ، فانتسب إلى سامة بن لُؤيّ، فقال: الشاعر؟ فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله، كأَنك أردت قوله:
رُبَّ كأَسٍ هرقت يابن لُؤيٍّ ... حذَرَ الموتِ لم تكن مُهراقهْ
فقال: أجل.
وقيل: أن سامة شَرِبَ مع أخيه كعب، فرأَى كَعْبًا قد قَبَّل امرأته، فأنِف من ذلك، فهرب إلى عُمَان، فقال في ذلك المُسيِّب ابن عَلَس الضُّبَعيّ:
وقد كان سَامَة في قومه ... له مَطعَمٌ وله مَشْربُ
فسامُوه خَسْفًا فلم يَرْضَه ... وفي الأَرض من خَسْفِهم مَهْرَبُ
واختُلف في أعقاب سامة، فكان هشام وغيره يروي عن علي بن أبي طالب، صلوات الله عليه: أنَّ سَامة لا عَقِبَ له، ولذلك خبر سنذكره إن شاء الله. وقال " آخرون ": إِنَّه وُلد لسامة ابن يقال له: الحارث. وأمُّه هند بنت تيم الأَدْرم ابن غالب. " فماتت هند، فحمل الحارث معه إلى عُمان ".
وتزوَّج سامة ناجية بنت جَرْم بن ربَّان، وهو عِلاف بن حُلْوان ابن عِمران بن الحَافي بن قُضاعة، بعُمان، أو سَيف من أسيلف البحر، فولدت له غالب بن سامة. فهلك وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وخَلف الحارث بن سامة على ناجية، نِكَاح مَقْت، فعَقِبُ سامة منه.
وقوم يقولون: كان لناجية ولد من غير سامة، وكان سامة متبنِّيا له فنُسِب إليه، فالعقب لذلك الولد.
وأجمعوا جميعا أن سامة بينما هو يسير على ناقته، أي وضعت رأسها ترتع، فأخذت حيَّة بمشفرها في حشيشه فنفضتها، فوقعت على ساق سامة، فنَهَشَتْهُ في ساقه فقتلته، فقال الشاعر " وقيل أن سامة قال ذلك لما أحسَّ بالموت ":
عَيْنٌ بَكِّي لسامة بن لُؤَيٍّ ... عَلِقَتْ ما بِسَامة العَلاَّقَهْ
رُمْتَ دَفْعَ الحتُوف يابنَ لُؤَيٍّ ... ما لمن رَامّ ذاك بالحَتْفِ طاقَهْ
وقد تُخلط هذه الأبيات بالأبيات التي تقدمتها.
فقيل: إن قومًا من ولد سَامة جاءُوا إلى عليٍّ، ﵇، فانتسبوا إلى سامة، فقال لهم: إنَّ سامة لم يَدَعْ إلا بنتً يُقال لها: عَاجة، فإن كنتم من ولدها فأنا خالكم.
قال الهيثم: وبلغنا أن رجلا من ولد سامة دخل على علي بن أبي طالب، ﵇، فقال: ممَّن الرجل؟ فقال: من قريش، قال: إن قريشا قد فَسَا وضَرَط، فمن أيّهم أنت؟ قال: من بني سَامة بن لُؤيّ، فقال علي، ﵇: إنَّ سَامة لا يُولَدُ له، وكانت عنده أَمَةٌ زوَّجها من عبد له أسود، فإن كنت ممن ينتمي إلى سَامة، فأنت من ولد العبد، فأغضب ذلك الرّجُل، وخرج فأخبر قومه، فغاظهم، وكان في جملتهم الخِرِّيت بن راشد السَّامي، فغاظ ذلك الخِرِّيت حتى حمله على مخالفة عليٍّ، ﵇.
1 / 23