Naag ka timid Kambu Kdis
امرأة من كمبو كديس
Noocyada
التفتت إلي بسرعة رشقتني بنظرة عابرة وجدت في سعيها إلى حيث تشاء، ولكني ومن خلال لمحتي الخاطفة لوجهها والتي لم تتعد ثلاث ثوان، رأيت بؤسا وألما مكثفا متقنطرا على وجهها الصغير الأملس، بؤسا لا يمكن إخفاؤه أو احتماله لدرجة أنني تيقنت في نفسي أنه لو قسمنا هذا الحزن والبؤس على كل مشردي العالم لما وسعوه. وفي نظرتها السريعة كانت أسئلة أيضا غامضة ومبهمة ومحيرة في نفس الوقت، جريت وراءها صارخا: يا بنت.
أنا وأصدقائي من أبناء أعيان البلدة ومثقفيها نفضل أن نسكر من عرقي بلح كلتومة، وفي بيتها الصغير في كمبو كديس؛ فهي امرأة أمينة صديقة، حيث إنها لا تسرقنا - كما تفعل الحبشيات وكثيرات من بائعات العرقي - آخذة منا ثمن عرقي لم نشربه، عندما نثمل وتلعب الخمرة بعقولنا الصفراء، أو تغش العرقي بالسبرتو أو الماء أو غير ذلك من فنون السرقة «إنني لا أطعم أبنائي الحرام».
كما أنها كانت دائما حافظة لأسرارنا وخبائث فضائحنا، «أنا عن نفسي عندما أسكر أفقد مع وعيي وقاري واحترامي وأصبح حيوانا مثقفا لا أكثر، فقد أتبول في ملابسي وأتقيأ على صدري، وإذا لم يحدث هذا أفشيت كل أسراري الأسرية وتحدثت عن أبي - ضابط المجلس - وقلت علانية ما يعرفه الناس عنه، وما لا يعرفونه؛ بل أفشيت ما أعرف من خططه المستقبلية في سرقة التموين والجازولين ... إلى آخر مآسي يومي وأسرتي»، فكانت كلثومة - والحق يقال - تسمع باهتمام ولكنها لا تقول شيئا، وكنا جميعا نحترمها ونقدرها مثل أمهاتنا، وبالتالي «عزيزة» كانت لنا أختا صغرى. - يا بنت ... قفي.
أمسكت بكمها القصير، ودون أن تنظر إلي قالت بصوت مبحوح تخالطه صرخات «منتصر» الحامضة المتدفقة تباعا: أمي. - أمي قبضوا عليها. - «...»
إذا فهمت كل شيء وشعرت بأن الدنيا أظلمت فجأة أمام عيني، وأن شعري تحول إلى دبابيس مسمومة توخزني في جلد رأسي، ولم أستطع أن أقول أو أفعل لها شيئا سوى زلق كفي من على كتفها الصغير المتعب، في برود، تاركا إياها تمضي لتذوب في بحر مآسيها ومحنتها و«منتصر» مبللا صدرها بلعابه اللزج الملبن يصليها بصرخاته وندائه المتواصل - بلثغته الحلوة الممتعة رغم مأساة الموقف - لأمه «أتوما.»
كثيرا ما كنت أخجل من نفسي عندما أجدني عاجزا أمام موقف ما، فإذا حدث ذلك بالأمس لذهبت إلى جلال الجميل القاضي ودار بيننا الحوار التالي: - صدر القرار منك؟ - كنت مجبرا ... فأنت تعرف، لا شيء بأيدينا تماما. - ولماذا كلتومة ... فهي تعول أطفالا وزوجها مقتول في الجنوب منذ سنوات. - لم يكن الأمر بشأن كلتومة وحدها.
ولكن حظها، فلا بد - كما تعرف - أن يكون هنالك ضحايا، قالوا: إن الوالي في زيارة جاسوسية في كل مكان، ويجب أن يعرف أن الناس هنا تعمل، تحارب الفساد ... إلى آخر الأوهام. كما أن كلتوم كانت تعلم بقرار التفتيش؛ لقد أخبرها «أحمد صالح.» - ولكنهم وجدوا عندها جالونا من العرقي وثلاث زجاجات مليئة بعرقي البلح. - هذا تلفيق من الشرطة، فقد كانوا يخبئون هذه الأشياء في عربتهم، فهم غالبا لا يجدون شيئا عند هؤلاء النسوة. - وما العمل؟ - كالعادة نخفف الحكم ما أمكن وبدلا من السجن نضع الغرامة وصديقاتها يقمن بمساعدتها في الدفع كما يفعلن دائما. - هذا ما كان يحدث إذا وقعت إحدى «زبوناتنا» في قفص الشرطة، ولكن أين اليوم «جلال الجميل؟!» - فإن القاضي الجديد لا يشرب العرقي ولكن فقط الويسكي «والأنشا»، ويدعي مخافة الله والتقوى! وبالتالي يصعب الوصول إليه حتى الآن على الأقل.
جسدها النحيل المتعب يرقد على الكنبة في وسط سوق السبت وقد أهالوا عليه صفيحة من المياه لا تزال تقطر من جلبابها القطني الرخيص إلى نهاية الجلد، ولو أنها لا تحفل بكتل البشر التي تحيط بها «مشفقة أو شامتة»، إلا أنها كانت تحاول إخفاء وجهها ما أمكن بين ساعديها، وتحاول بقدر المستطاع وبجدية ألا تصدر منها تنهيدة، آهة، صرخة ألم أو مجرد زفير مندفع قد يخيل للشرطيين أو القضاة أو الجلاد أو جمهور المتفرجين أنه توجع من وقع سوط «العنج» الأسود المشرب بالقطران، والذي يصلي ظهرها مشقا مبرحا ممزقا لحميات عجفاء بائسة.
وعندما استطعت أن أجد لنفسي مكانا أشاهد من خلاله ما يحدث كان الشاويش السمين يصرخ بغلظة: ثمانية وثلاثين إإيه، هوب. - تسعة وثلاثين إييه، هوب. - أربعون، إيييه، آآه، تماما مولانا ... أربعون جلدة.
قال القاضي - وعلى فمه ابتسامة صفراء قاسية محاولا من خلالها أن يكون تقيا عادلا محبوبا وحاسما في نفس الوقت: هيا قومي، استغفري ربك الله وأعلني توبتك، توبة نصوحة أمام الجميع. - نظرت إليه كلتومة نظرة فاحصة عميقة - أحسست أنها معتصرة من خلايا كبدها - ثم بصقت على الأرض بصاقا داميا مرا. وأقسم أن جميع المتفرجين؛ الأعراب ذوو الجلابيب المسودة من الأوساخ، والتي تفوح منها رائحة وبر الجمال والحمير، وقطرانها وروثها بسياطهم وسيوفهم ، الشماسة، أبناء الشوارع المتشردين، أصحاب المتاجر؛ أغلقوا دكاكينهم مضحين بقدر من المبيعات كبير في سبيل أن يحضروا المحاكمة. الكلاب الضالة الحذرة المختبئة خلف العشب متجنبة أعين الناس، وغير الضالة أيضا.
Bog aan la aqoon