Ilzam Nasib
إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب
فإذا على بعض أغصان الشجرة امرأة حسناء غراء فرعاء لم أر مثلها ، وكانت عريانة فلما رأت أني أنظر إليها أدلت شعرها على جسدها وتسترت به عني وقالت : أيها الناظر إلى ما يحرم عليك أما تستحي من الله تعالى ورسوله؟ فاستحيت من كلامها وأطرقت برأسي ، وأقسمت عليها بالله تعالى وقلت : أنت من البشر ، أو من الملائكة أو من الجن؟ فقالت : من البشر والآن قريب من ثلاث سنين أعيش في هذه الجزيرة ، أبي كان رجلا من أهل إيران فعزم الرحيل إلى الهند ، ولما بلغنا قبة البحر انكسرت سفينتنا ووقعت أنا في هذه الجزيرة.
ولما علمت بحالها حكيت لها قصتي وقلت : لو خطبك أحد ترغبين فيه ، فسكتت فعلمت برضاها ، فحولت وجهي حتى نزلت من الشجرة فعقدت عليها ، وكنت أتمتع بها وأفرح بها فرزقني الله تعالى هذين الغلامين اللذين تراهما ، فكنت أطيب خاطري تارة بمصاحبتها وأتسلى مرة بوجودهما والاشتغال بها وكذلك بهما ، وكذلك المرأة وكانت عاقلة وكنا نعيش في الجزيرة كذلك إلى أن بلغ أحدهما تسع سنين والآخر ثماني ، ولما كنا عراة وعلى أبداننا شعور طوال قبيحة المنظر قلت يوما لها : ليت كان لنا قطعة لباس نستر بها عوراتنا ، ونخرج بها عن هذه الفضيحة ، فتعجب الولدان وقالا : هل بغير هذا الوضع والمكان وضع آخر ومكان وطريقة اخرى؟
فقالت أمهما : نعم إن لله تعالى بلادا ورجالا كثيرة ومأكولات ومشروبات لا تحصى ، ولكنا عزمنا المسافرة وركبنا السفينة فكسرتها الرياح العاصفة ، وطرحتنا بوسيلة لوح منها في هذه الجزيرة. فقالا : لم لا ترجعون إلى أوطانكم المألوفة؟ فقالت : لا يمكن العبور من هذا البحر الزخار بلا سفينة مستعدة ، فقالا : نحن نصنع السفينة ، فلما رأتهما عازمين أشارت إلى شجرة كبيرة كانت في ساحل البحر وقالت : لو قدرتما على نحت وسطها لعل الله بعنايته يرحمنا ويوصلنا إلى مكان نستر به عوراتنا ، فلما سمع الغلامان مقالة أمهما عمد إلى جبل كان قريبا منا وأخذا بعض الأحجار التي كانت رءوسها محددة ، وشرعا في نحت الشجرة وحرما على أنفسهما الطعام والشراب والنوم ولم يفترا عن العمل في مدة ستة أشهر إلى أن صار وسط الشجرة خاليا كهيئة الزوارق وكان يسع اثني عشر نفرا يقعدون فيه.
فلما رأينا كذلك شكرنا الله تعالى على هذه النعمة وهداية الغلامين إلى هذا العمل وطاعتهما لنا ، وأمهما كانت في غاية السرور والفرح ، والحث على إتمامها وترتيبها لما بلغ بها الوحشة وألم العري وفقد المحل والمأوى النهاية ، ثم عمدوا إلى حمل العنبر من صفح
Bogga 373