188

Iliyadha

الإلياذة

Noocyada

هكذا راح الأخوان يستعطفان الملك برقيق الألفاظ والبكاء. غير أن الصوت الذي سمعاه كان بالغ الفظاظة، إذ قال: «إذا كنتما بحق ولدي أنتيماخوس الحكيم القلب، فقد أمر أبوكما يوما بقتل «مينيلاوس»، في حشد الطرواديين، عندما قدم إليه في سفارة مع «أدوديسيوس» العظيم ولم يسمح له بالعودة إلى الآخيين، فعليكما الآن أن تدفعا بحق ثمن إساءة أبيكما الحمقاء.»

قال هذا، ودفع «بايساندر» عن عربته إلى الأرض، وطعنه برمحه في صدره، فسقط إلى الوراء على الأرض، ولكن «هيبولوخوس» قفز إلى أسفل، فقتله ابن أتريوس، على الأرض. وما إن بتر ساعديه بالسيف، وأطاح بعنقه، حتى تركه يتدحرج كجلمود صخر وسط الجمع. فترك «أجاممنون» هذين. ولما كانت الكتائب في هرج ومرج بالغين، فإنه وثب إلى وسطها، بصحبة نفر من الآخيين الآخرين المدرعين جيدا. وكان المشاة لا ينفكون يقتلون المشاة الذين كانوا يولون الأدبار تحت الضغط، والفرسان يصرعون الفرسان، وقد أثارت حوافر الخيل الغبار من السهل فتصاعد من تحت أرجلهم إلى فوق، وأعملوا الهلاك فيهم بالبرونز. وكان الملك أجاممنون يتبعهم، دون أن يكف عن القتل، وهو يستحث الأرجوسيين. وكما يحدث عندما تضطرم النيران النهمة في غابة كثيفة، فتحملها الريح السريعة الدوران في سائر الأرجاء، هنا وهناك، فتتهاوى الدوح بمجرد أن يهاجمها اللهب المتدافع، هكذا أيضا كانت رءوس الطرواديين تسقط - تحت «أجاممنون بن أتريوس» - وأصحابها ينشدون الفرار. وكم من جياد ذات أعناق متلعة، راحت تقعقع بالعربات الخالية من أصحابها، على طول خنادق المعركة، وقد فقدت سائقيها المنقطعي النظير، الذين رقدوا فوق الأرض طعمة لجوارح الطير، أعز عليها من أليفاتها وزوجاتها!

وأقصى زوس «هكتور» عن طريق الرماح والغبار، في مذبحة البشر وغمرة الدماء والطنين، ولكن ابن أتريوس ظل يتابع سيره، مناديا بعنف على الدانيين، الذين انطلقوا مسرعين عبر قبر «ألوس» القديم - «ألوس بن داردانوس» - حتى بعد منتصف السهل، وعبر شجرة التين البرية، محاولين الوصول إلى المدينة جهد طاقتهم. وكان ابن أتريوس يتبعهم باستمرار صائحا، وقد تلطخت بالدماء يداه المنيعتان. وما إن بلغوا أبواب «سكاي» وشجرة البلوط، حتى وقف الجيشان وأخذ كل منهما ينتظر الآخر. ومع ذلك فقد كان بعضهم لا يزال يفر في فوضى وسط السهل، كقطيع من الأبقار شتتها ليث غضنفر في دجى الليل، فتفرقت على غير هدى، ولكن واحدة منها هي التي قدر لها أن ترى الهلاك التام؛ إذ أمسك الليث بعنقها - أولا - بين أنيابه القوية وهشمه، ثم راح يلعق الدم وينهش جميع الأجزاء الداخلية، هكذا - وعلى هذه الصورة - راح الملك أجاممنون بن أتريوس، يتبع الطرواديين عن كثب، وهو يعمل القتل باستمرار في المؤخرة، فركن الآخرون إلى الفرار بغير نظام. وسقط كثيرون من عرباتهم منكفئين على وجوههم أو منطرحين على ظهورهم تحت يدي ابن أتريوس، إذ كان ينقض برمحه على من حوله ومن أمامه! غير أنه عندما أوشك على الوصول إلى المدينة والسور المرتفع، هبط أبو البشر والآلهة من السماء، وجلس فوق ذؤابات أيدا - الجبل الكثير الينابيع - وقد حمل في يديه صاعقة. فأرسل في الحال «أيريس» الذهبية الجناحين، لتحمل رسالته، قائلا لها: «اذهبي، يا أيريس - أيتها السريعة - وأعلني هذه الكلمة لهكتور: إن عليه أن يتقهقر - ما دام يرى أجاممنون، راعي الجيش، ثائرا وسط محاربي الصفوف الأولى، ناشرا الهلاك في صفوف الرجال - وأن يأمر بقية الجيش بمقاتلة العدو في عراك عنيف. أما إذا جرح أجاممنون بطعنة من رمح أو أصيب بسهم، وقفز فوق عربته، فإنني سأمنح هكتور القوة التي تخوله أن يقتل ويمضي في القتل، إلى أن يصل إلى السفن ذات المقاعد المتينة. ثم تغرب الشمس وتخيم الظلمة المقدسة.»

هكذا قال، فانطلقت «أيريس» بأقدام تسابق الريح لتنفيذ أمره، وهبطت من تلال أيدا إلى طروادة المقدسة. وعندئذ وجدت «هكتور» العظيم - ابن «بريام» الحكيم القلب - واقفا إلى جانب جياده وعربته ذات المفاصل، فاقتربت منه أيريس السريعة القدمين وتحدثت إليه قائلة: «أي هكتور، يا ابن بريام، يا نظير زوس في سداد الرأي، إن الأب زوس قد بعثني إليك لأعلنك برسالته هذه: إذا رأيت أجاممنون - راعي الجيش - هائجا وسط محاربي الصفوف الأولى، ناشرا الهلاك في صفوف الرجال، فعليك أن تتقهقر وأن تأمر بقية الجيش بأن يقاتل العدو في عراك عنيف. أما إذا جرح أجاممنون بطعنة رمح، أو أصيب بسهم، فإنه سيقفز فوق عربته، وعندئذ سيمنحك زوس القوة التي تخولك أن تقتل وتمضي في القتل إلى أن تصل إلى السفن ذات المقاعد المتينة، ثم تغرب الشمس وتسود الظلمة المقدسة.»

وما إن قالت «أيريس» السريعة القدمين هذا، حتى انصرفت، فقفز هكتور في عدته الحربية من عربته إلى الأرض، يلوح برمحيه الحادين، منطلقا إلى كل مكان وسط الجيش، يحث الرجال على القتال. وأثار وطيس المعركة الطاحنة. وهكذا استجمع الطرواديون قواهم، واتخذوا وقفتهم صوب الآخيين، وعزز الأرجوسيون في الجهة المقابلة فرقهم، ونظمت المعركة، فوقفوا بعضهم في مواجهة بعض، وفي وسطهم هجم أجاممنون موغلا في المقدمة، تواقا إلى أن يسبق الجميع. «أجاممنون» يصاب بجرح

والآن، خبريني، يا عرائس الشعر، يا من تسكن فوق أوليمبوس ، من الذي جاء أولا لمواجهة أجاممنون: أكان من الطرواديين أنفسهم أم من حلفائهم الذائعي الصيت؟ إنه كان «أفيداماس بن أنتينور»، البطل الصنديد الفارع الطول، الذي ترعرع في تراقيا العميقة التربة، ذات القطعان الكثيرة، والذي رباه «كيسيوس» في بيته، يوم أن كان طفلا صغيرا. وكان «كيسيوس» هذا جده لأمه، الذي أنجب «ثيانو» الجميلة الخدين، وعندما بلغ «أفيداماس» مبالغ الشباب المجيد، سعى جده كي يبقيه هناك، وعرض عليه ابنته. غير أنه رحل، وهو بعد «عريس» حديث الزواج، وهجر مخدع زواجه - إذ سمع شائعة مجيء الآخيين - وتبعته اثنتا عشرة سفينة مدببة. فترك تلك السفن الجميلة الشكل عند بيركوتي، وسار هو شخصيا حتى وصل إلى طروادة بطريق البر، فكان هو الذي تقدم الآن ليواجه أجاممنون بن أتريوس. فلما اقتربا - وهما يتقدمان كل في مواجهة الآخر - أخطأ ابن أتريوس الرماية، فمال رمحه جانبا، ولكن «أفيداماس» طعنه في خاصرته أسفل الدرقة، وبث كل قوته في ضربته، معتمدا على يده الثقيلة، ولكن الرمح لم يخترق الحزام البراق، وإنما أصاب طرف الرمح الجزء الفضي، فانثنى وكأنه من قصدير. فأمسك «أجاممنون»، الواسع الملك، الرمح من يد غريمه وجذبه إليه في غضب، وكأنه أسد، منتزعا إياه من يد «أفيداماس»، ثم هوى بسيفه على عنقه فأرخى أطرافه؛ ومن ثم سقط هناك يتردى، ونام نومة البرونز،

1

ذلك الشاب التعس، بعيدا عن زوجته التي تزوجها، بعيدا عن العروس التي لم يحظ بالهناءة معها، ومع ذلك فقد تكبد الكثير من أجلها؛ إذ قدم لها أولا مائة بقرة، ووعد بأن يقدم لها فيما بعد ألفا من الماعز والأغنام التي يملكها في قطعان لا حصر لها.

وبعد ذلك جرده أجاممنون بن أتريوس من عدته، ثم سار وسط حشد الآخيين حاملا العدة الحربية المتينة. على أن «كئون» - المبرز وسط المحاربين، وأكبر أبناء أنتينور - لم يكد يراه، حتى أعشى عينيه حزن شديد ، من أجل مقتل أخيه، فانتحى برمحه جانبا، دون أن يراه الملك «أجاممنون»، ثم عاجله بطعنة نجلاء، أصابت ساعده أسفل المرفق، ونفذ طرف الرمح البراق بسرعة. وإذ ذاك ارتجف أجاممنون ملك البشر - ولكنه لم يكف عن القتال والحرب، وإنما قفز على كئون، والرمح المقسي بالريح

2

Bog aan la aqoon