اليوم والليلة فيُلحِقُه بالجنون، وبين القصير الذي هو دون ذلك فيُلحِقُه بالنوم (^١).
وقد يُنكِر كثيرٌ من الناس أن الغضبَ يُزِيل العقل، ويبلغُ بصاحبه إلى هذه الحال، فإنه لا يعرف من الغضب إلا ما يَجدُ من نفسه، وهو لم يَعْلَمْ غضبًا انتهى إلى هذه الحال.
وهذا غلط؛ فإن الناس متفاوتون في الغضب تفاوتًا عظيمًا، فمنه ما هو كالنَّشوة، ومنه ما هو كالسُّكْر، ومنه ما هو كالجُنون، ومنه ما هو سريعُ الحصولِ سريعُ الزوالِ، وعكسُه، ومنه سريعُ الحصول بطيء الزوال، وعكسه، كما قسَّمه النبي ﷺ إلى هذه الأقسام (^٢).
وقُوى الناس متفاوتةٌ تفاوتًا عظيمًا في مُلك تقواهم عند الغضب، والطمع، والحزن، والخوف، والشهوة، فمنهم من يملك [ذلك] (^٣) ويتصرَّفُ فيه، ومنهم من يملكُه ذلك ويتصرَّف فيه.
الوجه الخامس عشر: أن الغَضِب (^٤) الذي قد انغلق عليه القصدُ (^٥) والرأيُ في الغضب، وقد صار إلى الجنون العارض أقربَ منه
_________
(^١) انظر: "الحجة على أهل المدينة" (١/ ١٥٤ - ١٥٥)، و"المبسوط" (١/ ٢١٧).
(^٢) ورد ذلك في حديث أبي سعيد الطويل في خطبة النبي ﷺ، وقد تقدم تخريجه (ص: ٣١).
(^٣) ليست في الأصل، والسياق يقتضيها.
(^٤) كذا ضبطتُها؛ ليستقيم ما في الأصل. ولعلها: الغضبان.
(^٥) في الأصل: والقصد. سها الناسخ عن الضرب على الواو.
1 / 48