والمقصود أن هؤلاء ليسوا مُسْلُوبي التمييز بالكلية، وليسوا كالعقلاء الذين لهم قصدٌ صحيحٌ، فإن ما عرض لهم أوجب تغيُّرَ العقل الذي منع صحة القصد، فلم يَبْق أحدهم يقصد قصْدَ العقلاء الذي مرادُه جَلْبُ ما ينفع، ودَفْعُ ما يضر، فَلَمْ يتصوَّر أحدهم لوازم ما تكلَّم به، ولا غاب عقلُه عن الشعور به، بل هو ناقصُ التصوُّر ضعيفُ القَصْد.
والغضبان في حال غضبه قد يكون أسوأَ حالا من هؤلاء، وأشبهَ بالمجانين، ولهذا يقول ويفعل ما لا يقولُه المجنون ولا يفعلُه.
فإن قيل: فهل يُحْجَرُ عليه في هذه الحال كما يُحجر على المجنون؟
قيل: لا، والفرق بينهما أن هذه الحال لا تدوم، فهو كالذي يُجَنُّ أحيانًا نادرًا ثم يفيق، فإنه لا يُحْجَرُ عليه. نعم، لو صدر منه في تلك الحال قولٌ عن غير قصدٍ منه، كان مثل القول الصادر عن المجنون، في عدم ترتُّب أثرِه عليه.
ولا ريب أنه قد يحصلُ للغضبان إغماءٌ وغَشْيٌ، وهو في هذه الحال غير مكلَّفٍ قطعًا، كما يحصلُ ذلك للمريض، فيزيلُ تكليفَه حال الإغماء، حتى إن بعض الفقهاء لا يُوجب عليه قضاء الصلاة في هذه الحال، إلحاقًا بالمجنون كما يقوله الشافعي (^١)، وأحمد يوجِبُ عليه القضاء إلحاقًا له بالنائم (^٢)، وأبو حنيفة يفرِّق بين الطويل الزائد على
_________
(^١) انظر: "الأم" (٢/ ١٥٣ - ١٥٤)، و"المجموع" (٣/ ٦٨ - ٧١).
(^٢) انظر: "مسائل الإمام أحمد" رواية أبي داود (٤٩)، و"المغني (٢/ ٥١ - ٥٢).
1 / 47