الوجه الثاني عشر: أن قاعدة الشريعة أن العوارض النفسيَّة لها تأثيرٌ في القول، إهدارًا واعتبارًا، وإعمالًا وإلغاءً.
وهذا كعارض النسيان، والخطأ، والإكراه، والسُّكْر، والجنون، والخوف، والحزنِ، والغفلة، والذهول، ولهذا يُحْتَمَلُ من الواحد من هؤلاء من القولِ ما لا يُحْتَمَل مِنْ غيرِه، ويُعْذَرُ بما لا يُعْذَرُ به غيرُه، لعدم تجرُّدِ القصدِ والإرادة، ووجود الحامل على القول.
ولهذا كان الصحابةُ يَسْأَلُ أحدُهم الناذِرَ: أفي رضًا قلتَ ذلك أم في غضب؟، فإنْ كان في غضبٍ أَمره بكفارة يمين (^١)؛ لأنهم استدلوا بالغضب على أن مقصوده الحضُّ والمنعُ، كالحالف، لا التقرُّب.
وقد قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ [النساء: ٤٣]، فَجَعلَ عارض السُّكر مانعًا من اعتبار قراءةِ السكران وذكرِه وصلاتِه، كما جعله النبيُّ ﷺ مانعًا من صحة إقراره لمَّا أمر باستنكاه (^٢) مَنْ أقرَّ بين يديه
_________
(^١) رواه أبو بكر الأثرم عن ابن عباس ﵄ بإسنادٍ لا بأس به. انظر إسناده في "القواعد" النورانية (٤٦٥ - ٤٦٦)، وضمن "مجموع الفتاوى" (٣٥/ ٣٤٠).
(^٢) أيَ شَمِّ ريحِ فمه، لِيُعْلَم أَشَاربٌ هو، فيدرأُ عنه حدَّ الزنا. يُقال: استنكهه: شَمَّ ريح فمِه، فَنَكَهَه -كضَرَب ومَنَع-: أخرجَ نَفَسه إلى أنفِ آخر، قال الأقيشر:
يقولون لي انْكَهْ قد شربتَ مُدامةً ... فقلتُ لهم بل قد أكلتُ سفرجلا
ونكهه -كسَمِعه ومَنَعه- تشمَّمه، قال الحكم بن عدل:
نكهت مجالدًا فوجدتُ منه ... كريح الكلب مات حديث عهدِ
والنَّكهةُ ريح الفم، وبالضم اسم من الاستنكاه، ونكه الرجل -بمعنى- تغيَّرتْ نكهته من التخمة (كذا في "القاموس" وشرحه). =
1 / 43