وهو قول قويٌّ جدًّا، ويدلُّ عليه أن الخصمَ لا يُعَزَّرُ (^١) بِجَرحِه لخصمه، وطعنِه فيه حال الخصومة، بقوله: هو فاجرٌ، ظالمٌ، غاشمٌ، يحلف على الكذب، ونحو ذلك.
ومَنْ يَحُدُّه في هذه الحال يُفرِّقُ بين قذفِه وطلاقه بأن القذف حقٌّ لآدميٍّ، وانتهاكٌ لعرضه، أو قدحِه في نفسه فيجري مجرى إتلافِ نفسِه ومالِه، فلا يُعْذَرُ فيه بالغضب، لا سيَّما ولو عُذِر فيه بذلك لأمْكَن كلَّ قاذفٍ أن يقول: قذفتُه في حال الغضب. فيسقط الحدُّ. بخلاف الطلاق، فإنه يُمْكِن أن يدَيَّنَ فيما بينه وبين الله. والحق لا يَعْدُوْهُ.
والمقصود أنه إذا تكلَّم بالطلاق دواءً لهذا المرض، وشفاءً له، بإخراج هذه الكلمة من صدره، وتنفُّسِه بها؛ فمِنْ كمال (^٢) هذه الشريعة ومحاسِنها وما اشتملت عليه من الرحمةِ والحكمة والمصلحة = أنْ لا يُؤاخَدَ بها، ويُلْزَمَ بموجَبها، وهو لم يَلزَمْهُ (^٣).
_________
= انظر: "المنتقى" للباجي (٧/ ١٥١ - ١٥٢)، و"المبسوط" (٩/ ١٢٣)، و"بدائع الصنائع" (٧/ ٤٤)، و"تبيين الحقائق" (٣/ ٢٠١ - ٢٠٤)، و"نهاية المحتاج" (٧/ ٤٣٨)، و"المغني" (١٢/ ٣٩١ - ٣٩٣)، و"الفروع" (٦/ ٨٨)، و"الإنصاف" (١٠/ ٢١٠ - ٢١١).
ولم أر المصنِّف رحمه الله تعالى تعرَّض لهذه المسألة في كتبه في غير هذا الموضع، ولم أرها كذلك في كتاب الشيخ بكر أبو زيد "الحدود والتعزيرات عند ابن القيّم" (٢٠٣ - ٢٤٨).
(^١) وردت في الأصل مضبوطة هكذا: "يُعْذَر". والسياق يقتضي ما أثَبتّ وبحذف "لا" يستقيم ما فى الأصل، وهو ما اختاره الشيخ ابن مانع.
(^٢) في الأصل: وتنفسه بما في كمال. وهو تحريف ظاهر.
(^٣) كذا في الأصل. ولعلها: "يلتزمْهُ".
1 / 42