Idaah Fi Sharaxa Misbaax
كتاب الإيضاح في شرح المصباح
Noocyada
قلنا: قد استحق بوعد الله الذي لا يبدل القول لديه أن يبعث للتنعيم فلا وجه للتخصيص بجعل بعضه مستحقا وبعضه غير مستحق، ويتفرع على القول بالدوام القول بانحباط العوض بالمعصية لمنافاته العقاب كالثواب، وعلى القول بعدمه عدم الانحباط، والقول بأن لا منافاة بين العوض والعقاب فافهم ولو خلت الآلام عن الاعتبار لكانت عبثا لأن العبث هو الفعل الواقع من العالم به عاريا عن غرض مثله بإضافة غرض إلى مثله إذ الأغراض تختلف باختلاف الأفعال وهذا المعنى حاصل في الألم لو خلى عن الاعتبار لأنه كان يمكن ويحسن اتصال نفع العوض إلى المؤلم من دون الألم، ولا شك في أن العبث قبيح وقبحه معلوم ضرورة وهو تعالى لا يفعل القبيح كما مر،ويدل على ثبوت الاعتبار وهو ما يدعو المكلف إلى فعل الطاعة وترك المعصية قول الله تعالى{أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون}(التوبة:126) والمراد بالفتنة في هذه الآية الامتحان بالمرض وغيره فأخبر الله أنه امتحنهم وأن غرضه أن يتوبوا وأن يذكروا، وإنما قلنا أن الفتنة هي الامتحان لأنها لفظة مشتركة بين معان أربعة أحدها ما ذكرنا ويدل عليه قول الله تعالى{الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقو لوا آمنا وهم لا يفتنون}(العنكبوت:1،2) معناه يمتحنون. وثانيها: بمعنى العذاب والتحريق قال الله تعالى{يوم هم على النار يفتنون}(الذاريات:13) أي يعذبون، وقال تعالى{إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات}(البروج:10) معناه حرقوهم، وثالثها: بمعنى الإغواء عن الدين قال تعالى{يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة}(الأعراف:27) معناه لأغوينكم عن الدين. ورابعها بمعنى الكفر والضلال قال تعالى{وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة}(البقرة:193) معناه حتى لا يكون كفر وضلال ولا يجوز في الآية التي ذكرنا شيء من هذه المعاني سوى الامتحان. فثبت بهذه الجملة أن جميع الآلام والنقائص لابد فيها من العوض والاعتبار وبطل ما قاله المخالف.
تنبيه:
لا بأس بعد تقرير كلام الكتاب أن نأتي بتحصيل القول في الألآم على تأسيس صاحب الأساس أمير المؤمنين أيده الله. فنقول: الألآم لا تخلوا إما أن تكون من الباري تعالى أو من المخلوق، إن كان من الباري فلا يخلو إما أن ينزله على غير مكلف أو على مكلف، إن كان الأول حسن منه تعالى لمصلحة يعلمها الله تعالى لأنه عدل حكيم لا ينزل الألم إلا لمصلحة لذلك المؤلم وذلك يكون تفضلا والعوض تفضل لا يجب عليه تعالى.
Bogga 178