الذباب، واعطوا عن بكرة أبيهم صفحات الرقاب، ولم تقطر كلومهم إلا على الأعقاب، فامتلأت تلك الجهات بأجسادهم، وآذنت الآجال بانقراض آمادهم، وأخذهم الله بكفرهم وفسادهم، فلم يعاين منهم إلا من خر صريعًا، وسقى الأرض نجيعًا، ولقي من الهنديات أمرًا فظيعًا، ودعت الضرورة باقيهم إلى الترامي في الوادي، فمن كان يؤمل الفرار منهم ويرتجيه، ويسبح طامعًا في الخروج إلى ما ينجيه، اختطفته الأسنة اختطافًا، وأذاقته موتًا ذعافًا، ومن لج في الترامي على لججه، ورام البقاء في ثبجه، قضى نحبه شرقه، وألوى بذقنه غرقه، ودخل الموحدون إلى البقية الكائنة فيه يتناولون قتلهم طعنًا وضربًا، ويلقونهم بأمر الله هونًا عظيمًا وكربًا، حتى انبسطت مراقات الدماء على صفحات الماء، وحكت حمرتها على زرقته حمرة الشفق على زرقة السماء، وظهرت العبرة للمعتبر، في جري الدماء مجاري الأبحر.
كاتب صلاح الدين يوسف بن أيوب
كان على ديوانه كاتب له يعرف بصفي الدين، فسعي به إليه، وقدر