Ibraahim Thani
إبراهيم الثاني
Noocyada
وقالت فتحية بصوت أجش، استغرب إبراهيم أن يصلح للغناء: «لماذا لم تعلم ميمى منولوجاتك؟»
فتبسمت ميمى متهكمة. وقال صادق: «نسيت أن أقول إنها معلمة. ولا يتسع وقتها لهذا، ولا يليق أيضا بها».
فرفع إبراهيم حاجبيه متعجبا لقلة ذوقه. وقالت ميمى: «المكان خالى تقريبا إلا من الخدم.. وهم بعيدون.. فأسمعونا شيئا».
فقالت فتحية: «لا. ليس هنا ... إنى أستحى».
فقال إبراهيم: «سأغطى وجهى ... أو - إذا كان هذا لا يكفى - سأسد أذنى».
وضحكوا. وقال صادق: «ليس هذا وقته».
وقالت ميمى: «ولكنكما جئتما لهذا. فهل وجودنا ...».
قال: «نعم ... وجودكما يغير كل شىء..». وضحك ثم قال: «لا داعى للعجلة فما استطعت إلى الآن إقناع محطة الإذاعة بقبول مونولوجاتى».
فقال إبراهيم: «إذا كانت فتحية تستحى، فأنت - ولا مؤاخذة - لا تستحى. فلماذا لا تسمعنا شيئا، لنرى أيكما على حق، أنت أو المحطة؟»
فأبى كل الإباء. وقال إن ميمى تسخر منه، وتعد من السخافة أن يحاول أن يكون منولوجست. ولم تنف ميمى أنها تفعل ذلك، ولم تفارقها ابتسامتها، وكانت كأنها مطبوعة على شفتيها. ولم يفت إبراهيم هذا، وسره ما رأى وأفزعه أيضا؟ سره أن يتبين أن جمودها هذا من الغيرة، حين رأت هذه الفتاة الجميلة وإن كانت قبيحة الصوت، على ذراع صادق. وأفزعه أن تغلبها الغيرة وتجنبها الحكمة. غير أنه رجا أن تظل - كعهده بها - متزنة الأعصاب، وإن كان لم يختبر متانة أعصابها فى موقف تعصف بها فيه عاطفة قوية. وحدث نفسه وهو ينظر إلى صادق أنه لا عجب إذا أحبته ميمى، وخشيته فى آن معا، فإنه شاب قوى وسيم، ونظرته فاحصة نافذة، ومعارف وجهه كلها ناطقة بقوة العزم والجرأة، وفى خفة حركته وخبث نظرته ما يريب ويقلق ولا شك، ولكنه ليس على هذا بشرير. وإن كان ما عامله به أهله قد جعله ينطوى للناس على المقت والرغبة فى الأذى، وأغراه بالاندفاع والتهور دون الاعتدال أو محاولة اكتساب حسن الظن به وطيب الرأى فيه. وقال لنفسه وهو يدير هذه المعانى فى صدره إنه لم يخطئ حين حض ميمى على إيلائه الثقة وإيثار الحسنى معه، وتشجيعه، بدلا من الزراية عليه.
Bog aan la aqoon