وهو يبدأ هذا القسم الأخير من رسالته في «السياسة الشرعية»، بقوله: «الحكم بين الناس يكون في الحدود والحقوق، وهما قسمان: فالقسم الأول الحدود والحقوق التي ليست لقوم معينين، بل منفعتها لمطلق المسلمين أو نوع منهم، ولكنهم محتاج إليها، وتسمى حدود الله وحقوق الله.»
17
وأما القسم الثاني، فسيجيء الكلام عليه، وهو كما يقول فيما بعد: الحدود والحقوق التي لآدمي معين.
القسم الأول وأحكامه
ومن أمثلة هذا القسم حد قطاع الطريق والسراق والزناة ونحوهم، والحكم في الأموال العامة أو السلطانية كما يقول، والوقوف والوصايا التي ليست لمعين، فهذه من أهم أمور الولايات؛ ولهذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
لا بد للناس من إمارة برة كانت أو فاجرة، فقيل: يا أمير المؤمنين، هذه البرة قد عرفناها فما بال الفاجرة؟ فقال: يقام بها الحدود، وتأمن بها السبل، ويجاهد بها العدو، ويقسم بها الفيء.
ومن أحكام هذا النوع من الحدود والحقوق، أنه - كما يذكر الشيخ رحمه الله - يجب على الولاة البحث عنه، وإقامته من غير دعوى أحد به، وكذلك تقام الشهادة فيه من غير دعوى أحد به، وإن كان الفقهاء قد اختلفوا في قطع يد السارق هل يفتقر إلى مطالبة المسروق بماله على قولين ... وقد اشترط بعضهم المطالبة بالمال لئلا يكون للسارق فيه شبهة.
18
وكذلك يجب إقامة هذا النوع من الحدود على الناس كافة، بلا فرق بين شريف ووضيع، أو قوي وضعيف، ولا تحل الشفاعة فيه، ولا يجوز تعطيله بشفاعة أو غيرها، فإن خطره كبير على المجتمع كله.
ومن عطل إقامته لذلك ونحوه، وهو قادر على إقامته، كان حريا بلعنة الله وملائكته والناس جميعا، وكان ممن اشترى بآيات الله ثمنا قليلا، ولا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، كما يذكر ابن تيمية.
Bog aan la aqoon