Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
التراويح، فضحك الواثق، وقال: قاتلك الله، أمسك.
ويروى الدميري في كتاب حياة الحيوان أن الواثق رجع في آخر حياته عن إنزال المحنة بمن لا يرى هذا الرأي؛ إذ دخل عليه شيخ ممن نزلت به المحنة، فقال في ضمن مجادلته مع ابن أبي دؤاد.
"شيء لم يدع إليه رسول الله ﷺ، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي، تدعو أنت الناس إليه، ليس يخلو أن تقول علموه، أو جهلوه، فإن قلت علموه، وسكتوا عنه، وسعني وإياك من السكوت ما وسع القوم، وإن قلت جهلوه، وعلمته أنت، فيالكع ابن لكع، يجهل النبي ﷺ، والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم شيئاً وتعلمه أنت!!))
فلما سمع الواثق ذلك، وثب من مجلسه، وأخذ يردد تلك الكلمات، وعفا عن الشيخ، ورجع عما كان يفعل، كما روى ابنه المهدي.
٦٦ - هذا تفصيل ذلك الامتحان الخطير القاسي الذي عكر حياة ذلك الإمام الورع التقي، وأزعج هدوء تلك النفس القارة المطمئنة، ودام نحواً من أربع عشرة سنة، تراخى عنه العذاب والتنكيل والاضطهاد في نصفها واستمر في سائرها.
وقد يقول قائل أما كان الأولى بذلك الرجل التقي أن يتخذ التقية فيما كانوا يريدون، وقد دعي إلى ذلك، وقد دعاه بعض معاصريه أن يأخذ بمبدأ التقية، وهي أن يظهر شيئاً لا يعتقده، وقاية لنفسه من التلف.
ولكنه رفض حيث سلك مسلكه كثيرون، وتأبى، حيث تنزل عن فكرته فيما يظهر غيره، ونحن وإن كنا لا نرى ذلك التوقف عن الحكم بخلق القرآن مع إجلالنا لمقام أحمد، وورعه، واحتياطه لدينه - نجد أن الأخذ بالتقية في دار الإسلام لا يصح؛ لأن المنكر في دار الإسلام يجب استنكاره، وإلا تحولت صفتها، ولم يعد لها اسمها، وإن الاستنكار له مراتب، والتقية تكون حيث لا يكون للإسلام قوة وسلطان، كبلاد يضطهد الإسلام فيها، ولا سبيل للمسلم في الخروج منها، فيستخفي بدينه، وتلك رخصة رخصت له تيسيراً وتسهيلاً، وكل نفس وما تطيق.
ولأن التقية لا تجوز من الأئمة الذين يقتدى بهم؛ ويهتدى بهديهم، حتى
67