Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
٦٤- استقر أحمد في بيته، بعد أن عاد إليه لا يقوى على السير، وقد انتصر بتقاه، وانهزم غيره، وإن كانوا الأقوياء، واستمر أحمد منقطعاً عن الدرس والتحديث ريثما التأمت جراحه، واستطاع أن يخرج إلى المسجد، فلما رد الله إليه ثوب العافية، وذهبت وعثاء هذه المحنة عن جسمه، وإن كانت قد تركت آثاراً وندوباً فيه، وأوجاعاً في بعض أجزائه ومكث يحدث، ويدرس بالمسجد، حتى مات المعتصم، فلما تولى الواثق، أعاد المحنة على أحمد، ولكنه لم يتناول السوط ويضرب أحمد كما فعل المعتصم؛ إذ رأى أن ذلك زاده منزلة عند الناس، وزاد فكرته ذيوعاً، ومنع دعوة الخليفة أن تذيع وتفشو، فوق ما ترتب على ذلك من سخط العامة، ونقمة ما سماهم ابن أبي دؤاد حشو الأمة، فإن العاقل يحسب لنقمتهم حساباً، ولذلك لم يرد أحمد بن أبي دؤاد والواثق من بعد المعتصم أن يعيد الأذى الجسمي، بل منعه فقط من الاجتماع بالناس، وقال الواثق له: ((لا تجمعن إليك أحداً ولا تساكني في بلد أنا فيه))، فأقام الإمام أحمد مختفياً، لا يخرج إلى صلاة، ولا غيرها، حتى مات الواثق.
وبذلك انقطع أحمد عن الدراسة مدة تزيد على خمس سنوات إلى سنة ٢٣٣ اثنتين وثلاثين ومائتين، وبعدها عاد إلى الدرس والتحديث مكرماً عزيزاً ترفعه عزة التقى، وجلال السن، والقناعة والزهادة، وحسن البلاء.
٦٥- ومن حق التاريخ أن نقول إن المحنة لم تكن مقصورة على أحمد، وإن كان أحمد قد سبقهم إلى الصبر، بل تجاوزته إلى غيره، وكان الفقهاء يساقون من الأمصار إلى بغداد، ليختبروا في هذه المسألة، ويفتش عن خبايا قلوبهم، ومن نزل به من ذلك يوسف بن يحيى البويطي الفقيه المصري صاحب الإمام الشافعي، فقد دعي إلى أن يقول إن القرآن مخلوق، فامتنع، حمل مقيداً مغلولاً، حتى مات في أصفاده محتسباً ذلك ربه، ومنهم نعيم بن حماد، فقد مات في سجن الواثق مقيداً لذلك.
وقد تفاقم الخطب، واستمرت البلوى، حتى سئم الناس هذه الحال، بل حتى سئمها القائمون بها، وحتى صارت هزلاً لدى بعض الناس، يروى أنه دخل عبادة المضحك على الواثق، فقال: يا أمير المؤمنين أعظم الله أجرك في القرآن، قال ويلك، القرآن يموت، قال يا أمير المؤمنين، كل مخلوق يموت، بالله يا أمير المؤمنين بم يصلي الناس
66